وخلت من السكان وهي الآن خراب يسكنها شرذمة من الحامية وقليل من التجار الذين يبيعون سلعهم إلى سكان البوادي.
وفي هذا القضاء أيضا (صفّين) وكانت من أعمال جند قنسرين وكانت قرية كبيرة عامرة على مكان مرتفع من الفرات والفرات في سفحه وفيها مشهد لأمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه وقيل إنه موضع فسطاطه «١» وموضع الوقعة غربيّه في الأرض السهلة.
وقتلى علي في أرض من قبلي المشهد وشرقيه. وقتلى معاوية غربي المشهد وجثثهم في تلال من التراب والحجارة، كانوا لكثرة القتلى يحفرون حفائر ويطرحونهم فيها ويهتكون عليهم التراب ويرفعونه على وجه الأرض فصارت لطول الزمن كالتلال.
قيل إن صفين كانت مدينة عتيقة من مدن الأعاجم في أرض قنسرين على شاطىء الفرات فيما بين الرقة ومنبج وعن كعب الأحبار أنه قال: وجدت نعتها في الكتاب بأن بني إسرائيل اقتتلوا فيها تسع مرات حتى تفانوا وأن العرب ستقتتل فيها العاشرة حتى يتفانوا.
وفي هذا القضاء أيضا (قلعة جعبر) وهو حصن مطل على الفرات واسمها الدوسرية.
وجعبر هو سابق الدين القشيري النميري شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة فنسبت إليه وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة. وفي سنة (٤٧٩) مسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وقتل من بالقلعة من بني قشير وملكها وسار إلى حلب وتسلم قلعتها من سالم بن مالك بن بدران العقيلي وعوضه عنها قلعة جعبر. وفي سنة (٤٩٧) أغار الفرنج على الرقة وقلعة جعبر وكانت لسالم المذكور.
ثم في سنة ٥٤١ حاصرها أتابك زنكي مدة طويلة وكان بها حسان المنبجي من قبل سالم المذكور. وبينما كان زنكي يحاصرها إذ أتاه سهم فقتله وخلص حسان من القتلى ودفن أتابك عماد الدين زنكي ابن آقسنقر بالرقة. وفي سنة ٥٦٤ ملك هذه القلعة نور الدين من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك العقيلي. وسبب ذلك أن صاحبها نزل يتصيد فأخذه بنو كلاب وحملوه إلى نور الدين فاعتقله وأحسن إليه ورغبه في الإقطاع والمال ليسلم إليه القلعة فلم يفعل فعدل إلى الشدة والعنف وتهدده فلم يفعل ثم أرسل عسكرا كثيفا إلى القلعة فحصروها فلم يفوزوا منها بطائل فعاد إلى الرفق مع مالك فرضي أن يسلمها