من نواحي حلب وتبعد عنها خمسة فراسخ تعمل فيها القدور والشربات الخزفية الجيدة من تراب أحمر طيب. وفيها معمل قديم للزجاج وراج سوقه واشتهر في الآفاق صيته وربحت تجارته، وكان يصنع فيه أنواع الظروف والأواني الزجاجية على ألوان مختلفة وضروب شتى بعضها منقوش وبعضها مكتوب بحروف عربية وآيات قرآنية على أبدع صفة وأحسن طراز.
ولم تزل كذلك حتى ظهر الزجاج الافرنجي ومال الناس لاستعماله وأهملوا زجاج أرمناز فكسدت تجارته وافتقر أهله وهم الآن يشتغلونه ولا يربحون منه إلا القليل. ومدينة أرمناز قد اشتملت على جامع ومسجد وحمامين ومائة دكان ومعملين للزجاج وأهلها مسلمون سنيون. ولأرمناز هذه ينسب عدة محدثين منهم الحافظ أبو القاسم غيث بن علي الأرمنازي المتوفى سنة ٤٤٣ ومن شعره قوله:
عجبت وقد حان توديعنا ... وحادي الركائب في إثرها
ونار توقّد في أضلعي ... ودمع تصعّد من قعرها
فلا النار تطفئها أضلعي ... ولا الدمع ينشف من حرّها
وفي هذا القضاء أيضا حصن أرتاح وهو الآن قرية صغيرة. قال ياقوت في معجم البلدان: وكان حصنا منيعا من العواصم معدودا من أعمال حلب ويجوز إن كان عربيا أن يكون من أرتاح: أفتعل من الراحة وهمزته مقطوعة ويجوز أن يكون أرتاح أفعال كأنبار. اه. وقد استولى على أرتاح الروم حين استيلائهم على أنطاكية وحارم. ثم في سنة (٤٦٠) استردها منهم الملك هارون بن خان حاصرها خمسة أشهر وكان عملها جسيما كما حكيناه في حوادث هذه السنة. وينسب إلى أرتاح جماعة من المحدثين منهم أبو علي الحسن بن علي الكناني الأرتاحي تولى الإشراف على وقوف جامع دمشق سنة ٤٣٩ ومنهم الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم وكان أمينا على المواريث ووقف الأشراف توفي سنة ٥٢٣ ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد الأرتاحي وكان يقول نحن من ارتاح البصر لأن يعقوب عليه السلام بها ردّ عليه بصره، وهو آخر من حدّث بها بالدنيا توفي سنة ٦٠١.
ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء تيزين وكانت مدينة صغيرة قديمة كان لها سور قد تهدم. وإليها كانت تنسب الكورة وإن كان فيها ما هو أميز منها. ولم تزل في أيدي المسلمين إلى أن استولى الفرنج على أنطاكية ثم استعادها منهم المسلمون.