قال بطليموس: مدينة منبج طولها (٧١) درجة و (١٥) دقيقة.
وهي في الإقليم الرابع وكانت مدينة كبيرة واسعة وافرة الخيرات في فضاء من الأرض وكان عليها سور مبني بالحجارة محكم البناء. وبينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ وشرب أهلها من قنّي تسيح على وجه الأرض وفي دورهم آبار أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة. قلت: وهي التي عناها المتنبي بقوله:
قيل بمنبج مثواه ونائله ... في الأفق يسأل عمن غيره «١» سألا
وقال ابن قتيبة في أدب الكتاب: كساء منبجاني ولا يقال أنبجاني. ومن منبج الشاعر البحتري وأبو فراس. وقبلهما ولد بها عبد الملك بن صالح الهاشمي وكان أجلّ قريش ولسان بني العباس ومن يضرب المثل ببلاغته. وكان لما دخل الرشيد إلى منبج قال له هذا البلد منزلك قال يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك قال فكيف بناؤك به. فقال دون منازل أهلي وفوق منازل الناس. قال وكيف ذلك وقدرك فوق أقدارهم قال ذلك خلق أمير المؤمنين أتأسّى به وأقفوا أثره وأحذو حذوه قال فكيف طيب منبج. قال عذبة الماء طيبة الهواء قليلة الأدواء قال كيف ليلها قال سحر كلّه قال صدقت إنها لطيبة. قال بل طابت بأمير «٢» المؤمنين وأنّى يذهب بها عن الطيب وهي برّة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء فيافي منبج بين قيصوم وشيح. فقال الرشيد: هذا الكلام والله أحسن من الدر النظيم.
أقول: قوله (سحر كله) أخذه الطائي فقال:
أيامنا مصقولة أطرافها ... بك والليالي كلّها أسحار
ومن وصف ليالي الصفا قول أبي علي محمد بن الحسين الحاتمي:
يا ربّ ليل سرور خلته قصرا ... كعارض البرق في أفق الدّجا برقا
قد كاد يعثر أولاه بآخره ... وكاد يسبق منه فجره الشفقا
كأنما طرفاه طرف اتفق ال ... جفنان منه على الإطباق وافترقا