مضرا. وأما ماء الينبوع فهو ما كان من عين التل أو العين البيضاء، أو غيرهما من العيون القريبة من حلب. كعين اشمونيث وعين العصافير قبلي الصالحين (وعين اشمونيث) هذه في ظاهر حلب من قبليّها تسقي بستانا يقال له الجوهري، وإن فضل منها شيء صب في قويق. وقد ذكرها في شعره منصور «١» بن مسلم بن أبي الخرجين بتشوق إلى حلب فقال:
أيا سائق الأظعان من سفح جوشن ... سلمت ونلت الخصب حيث ترود
أبن لي عنها تشف ما بي من الجوى ... فلم يشف ما بي عالج وزرود
هل العوجان الغمر صاف لمورد ... وهل خضّبته بالخلوق مدود
وهل عين أشمونيث تجري كمقلتي ... عليها وهل ظلّ الجنان مديد
فهو، أي ماء هذه العيون، الجامع الصفات المطلوبة في الماء: من الصفاء والخفة والإدرار، ولا سيما ماء العين البيضاء أو عين التل في شمالي حلب على بعد ساعة منها، فإن ماءهما الغاية فيما ذكر لولا كثرة كلسيّته. أما آبار النبع في المدينة فإن ماءها يختلف في طعمه ونفعه وضره باختلاف محالّه فماء آبار قلعة الشريف أو ما قاربها من المحلات مالح آجن يقارب ماء البحر في طعمه وريحه، والبعض منه لا يمكن أن يطبخ به ولا أن تغسل منه الثياب حتى ولا النحاس لأنه يحيل بياضه إلى السواد بل قد يسود الحجر إذا كثر صبه عليه، وهو مع هذه الصفات الذميمة عميق سحيق لا يصعد على وجه الأرض إلا بحبل طوله نحو عشرين باعا. وأما بقية الآبار في غير هذه المحلة فمنها ما هو قليل الملوحة جدا حتى لا تكاد تدرك ملوحته إلا بإمعان الذوق، وذلك كغالب آبار المحلات الخارجة عن باب النصر وآبار محلة الجلّوم وما جاورها. وأكثر الناس يستعمل ماءها شربا وغسلا، وهي تصعد على وجه الأرض بحبل طوله أربع باعات إلى اثني عشر على حسب اختلاف مواقعها. ومنها ما هو ظاهر الملوحة كآبار بقية محلات حلب كالعقبة وأكثر المحلات المرتفعة. وهذا النوع أكثر الأنواع وقلّ من يستعمله للشرب وغسل الثياب. والخلاصة أن ماء حلب الجاري قليل غير كاف لها وهو كدر قذر لما ينصب إليه من مجاري المياه القذرة قبل جريانه في القناة ودخوله إلى حلب، ثم لما يلحقه من التلويث في الحياض والقساطل