خالس. قال: وهو نهر صغير فيه أنواع من السمك والسوريون يحسبونه إلهة ولا يسمحون لأحد أن يصيده وكذلك الحمام كانوا يعبدونه ولا يرضون على من يؤذيه. اه.
قلت: المعروف عندنا الآن أن مبدأ هذا النهر من عينتاب. وبعد أن يتصرف أهل عينتاب بمائه كما شاؤوا تجري منه بقية إلى حلب فتمر على قريتي ساسغين وجاغدغين في قضاء عينتاب فتمده عيونهما فيعظم. وعند وصوله إلى قرية حيلان على بعد ثلاث ساعات من حلب يدخل نحو ثلثه في معبر إلى قناة حلب، والثلثان يجريان لسقاية البساتين في حافتيه.
ثم في قرب حلب تمده العين البيضاء وعين التل. وبعد أن يجاوز قرية الشيخ سعيد بنحو ساعتين تنصب إليه العين المباركة ويسقي بساتين قرية الوضيحي، وقرية الحاضر، ثم لا يزال يجري حتى يغور في أجمة المطخ. وفي الصيف يفنى ماؤه في سقاية الأراضي بقرية خان طومان لقلة مائه حينئذ. ولو اعتنت الحكومة به صيفا ومنعت القرى المجاورة له قبل حلب من سقي أراضيهم منه لقام بكفاية حلب وبساتينها أتم قيام بدون مضايقة ولا تقسيط، فإن أصحاب البساتين كثيرا ما يقسطون ماءه صيفا، فيأخذه الشماليون أسبوعا والقبليون أسبوعا. ورأيت في سجلات المحكمة الشرعية بحلب إعلاما تاريخه ١١٥٩ يتضمن منع أهل قرية ساسغين وجاغدين من أخذ ماء تلك العيون لسقي أراضيهم. وقد اعتادت الحكومة أو دائرة البلدية أن تجمع في كل سنة من مستحقي مائه مالا تسميه مال النهر، تصرفه على تصليح حوافيه وكري «١» الوحول الراسبة فيه. ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم من كثرة الأمطار فينبسط ماؤه إلى مسافة ميل من جانبيه ويحطم ما عليه من النواعير، ويعطل بعض الأرحاء، ويقلع كثيرا من الأشجار، ويتلف الزروع الشتوية في البساتين ويهدم بيوتا كثيرة من محلة الوراقة على حافته الغربية. لكن هذا الطغيان لا يدوم فوق عشرين يوما ثم يأخذ بالتناقص حتى يعود إلى حالته الأولى. وقد طغى في زمن سيف الدولة الحمداني حتى أحاط بداره على سفح جبل الجوشن وفي ذلك يقول أبو الطيب المتنبي «٢» :
حجّب ذا البحر بحار دونه ... يذمّها الناس ويحمدونه!
يا ماء هل حسدتنا معينه ... أم اشتهيت أن ترى قرينه؟