ولما أتى إلى حلب الأمير سيف الدين أرغون دوادار الناصري سنة ٧٣٠ نائبا، وبنى مدرسته وتربته التي هي عند باب الحديث تجاه حمام سوق الخيل المعروفة الآن بالشيخ قويق، احتاج إلى ماء عذب يجري إلى مدرسته المذكورة فهندم قناة عظيمة تجري من الساجور وتصبّ في نهر قويق، واستلم ماءها من عند قرية هيلانة من نهر قويق وحرفها إلى قناة حلب، ثم أخذ منها مقدار كفاية مدرسته المذكورة. وقد حفر نهر الساجور ووسع مضيقه وجمع الناس على ذلك بحيث كمل العمل في قرب ستة أشهر بعد تعب زائد وإنفاق مال كثير.
وكان وصول الماء إلى حلب سنة ٧٣١ وكان يوم وصوله مشهودا. خرج النائب والأمراء والأعيان لتلقّيه مشيا إلى ظاهر البلد بالتكبير والتهليل، فرحين مسرورين. وفي ذلك يقول القاضي الفاضل شرف الدين الحسيني ابن الريان:
لما أتى نهر الساجور قلت له: ... ماذا التأخّر من حين إلى حين؟
فقال: أخّرني ربي ليجعلني ... من بعض معروف سيف الدين أرغون
وقال القاضي الفاضل بدر الدين الحسن بن حبيب الحلبي:
قد أصبحت شهباؤنا تثني على ... أرغون في صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى لها ... للناس بحرا غير مسجور
والمفهوم من هذا وما أجريته من الاستقصاء أن قناة حلب قبل أرغون هذا كانت تجري من ماء برك الخليل فقط وأن جريان ثلث نهر قويق إليها كان في أيام أرغون لا قبلها أخذه عوضا عن ماء الساجور الذي أجراه إلى قويق ثم انقطع الساجور وبقي جريان هذا الثلث مستمرا. على أن الساجور بعد أن ساقه أرغون على الصفة المتقدم ذكرها استمر يجري إلى نهر حلب حتى حدث بها زلزلة شديدة سنة ٩٤٠ فتهدمت الجسور التي بناها أرغون وأجرى الماء من فوقها وانقطع الماء. وكان أرغون قد وقف على هذه الجسور لتعميرها وترميمها وقفا عظيما، لكن هذا الوقف قد تداولته أيدي الغصب، وبقي الساجور منقطعا عن نهر حلب.
كان مكتوبا على إحدى عضادات الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخرة سنة ٩٠١ ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل