أبي بكر الهروي في كتابه الاشارات: إن في قلعة حلب في مقام إبراهيم عليه السلام صندوقا فيه قطعة من رأس يحيى ظهر في سنة ٤٣٤ ثم قال ابن الشحنة نقلا عن ابن بطلان: ولما احترق المقام في حادثة التتار سنة ٦٥٩ عمد سيف الدولة أبو بكر بن إيليا الشحنة بالقلعة المذكورة والناظر على الذخائر وشرف الدين أبو حامد بن النجيب الدمشقي الأصل الحلبي المولد إلى رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب ودفناه غربي المنبر وقيل شرقيه وعمل له مقصورة وهو يزار.
قلت: هذه الحكاية لا تنطبق على ما قاله ابن الخطيب من أن الرأس الشريف في المقام التحتاني في أيامه التي هي القرن التاسع إذ مقتضى الحكاية المذكورة التي حكاها ابن الشحنة عن ابن بطلان أن الرأس الشريف في الجامع الكبير قبل ابن الخطيب بنحو مائتي سنة والأغرب من هذا ما ذكره ابن الوردي في تاريخه حيث قال وفي سنة ٧٣٨ في صفر توفى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهى عنه فوجد باب عليه تأزير رخام أبيض ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها ورد التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلى بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. اه. كلام ابن الوردي، فهذه الحكاية تفيد صراحة بأن المدفون بالجامع هو رأس زكريا عليه السلام لا يحيى مع أن كلام المتقدمين يدل على أن المدفون هو رأس يحيى وذكر المرادي في ترجمة علي بن شداد بن علي أنه في سنة ١١٢٠ ظهر في بعض جدران الجامع صندوق من مرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلية في حجرة قبرا في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالاحترام والتعظيم والتكبير وجدد عليه المرقد. اه. كلام المرادي وهو يؤيد ما قاله ابن الوردي وعليه الشهرة في زماننا وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده ويوجد بين العضادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الصف الثاني مقصورة تعرف من قديم الزمان بمقصورة القاضي مكتوب عليها (جددت