ذراعا ومنبر هذا الجامع حادث جدد بعد واقفته ومن أجمل ما فيه المحراب فإنه عديم النظير لما اشتمل عليه من حسن الصنعة والنقوش والإتقان والإحكام فيه عدة ألواح من حجر اليشم النادر الوجود وهذه اللفظة فارسية أصلها أشباد جشم قال ابن العديم وهو من أعاجيب الدنيا يرى الناظر إليه وجهه فيه من صفاء معدنه وفي شرقي القبلية حجرة مقتطعة منها فيها قبران يزعمون أن الشمالي منهما مدفون فيه سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إنه مكتوب على رقعة في ثوب الضريح هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقل صندوقه سيف الدولة أيام دولته من النجف سنة ٣١٧.
وهذا كذب ظاهر فقد نص المؤرخون على أن قبر علي رضي الله عنه خفي لا يعرف موضعه. ومنهم من قال إنه دفن في دار الإمارة في الكوفة وأخفي قبره كي لا ينبشه الخوارج.
وقيل حملوه على جمل ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في السير ليلا إذ ندّ الجمل الذي هو عليه فلم يدروا أين ذهب ولم يقدر على رده أحد فلذلك، يقول غلاة الشيعة إنه في السحاب وقيل وقع في بلاد طيىء فأخذوه ودفنوه. وقيل: كان أوصى أن يخفى قبره كيلا يمثل به بنو أمية لعلمه أن الأمر لهم على أن مجيء سيف الدولة إلى حلب كان سنة ٣٣٣ فكيف يأتي بالصندوق من النجف إلى حلب قبل مجيئه إليها. ثم إن عمارة الفردوس كما قال ابن شداد بناؤها عظيم مرتفع بالحجارة الهرقلية وهي كثيرة الأماكن وبها خشخاشة للموتى وبركة ماء تشبه بركة الظاهرية يأتي إليها الماء من بستانها من دولاب خارجها وفي جانب هذا البستان إيوان عظيم بالحجارة العظيمة وفي هذه المدرسة أعمدة ضخمة من الرخام الأصفر ملقاة في صحنها وفيها قاعة عظيمة لمدرسها وللمدرسة من جهاتها الأربع مناظر وشبابيك إلى بستانها وفيها إيوان مكتوب عليه في طرازه وطرازها (لله در أقوام إذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف وإذا أصبحوا رأيت عليهم تغير ألوان:
إذا ما الليل أقبل كابدوه ... ويسفر عنهم وهم ركوع
أطار الشوق نومهمو فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا خشوع
أجسادهم تصبر على التعبد وأقدامهم ليلها مقيمة على التهجد لا يرد لهم صوت ولا دعا تراهم في ليلهم سجدا ركعا قد ناداهم المنادي وأطربهم الشادي: