فيها افتتاح جوادّ «١» عظيمة، حتى انفردت الآن بجادّة الخندق التي رأسها من باب حديد بانقوسا وآخرها محطة الشام، وهي جادة مستقيمة تبلغ مسافتها أربعة أميال، قد ازدحم طرفاها بالمباني العظيمة كالدور والفنادق والقهاوي والحوانيت والخانات والمنتزهات مما لا يضاهيها في عمرانها وحسن مناظرها جادة غيرها في بقية الممالك العثمانية.
ومن محاسنها أيضا كثرة أسواقها وإتقان عمارتها وحسن ترتيبها فترى سوقها الكبير المشتمل على زهاء خمسة عشر ألف دكان قد سقف معظمه بالأقبية الحجرية التي لكل مسافة بضعة أذرع منها نافذة للنور والهواء، فهو بارد في الصيف دافىء في الشتاء، ليس للشمس والمطر والعواصف إليه من سبيل، قد اشتمل هذا السوق العظيم على ثنايا ومنعطفات كل ثنية ومنعطف منها تباع فيه بضاعة معلومة. فترى لباعة الجوخ مثلا سوقا، ولباعة الحرير سوقا، ولباعة مال القبان سوقا، ولباعة مال الشام سوقا ولباعة مال استانبول سوقا، وهكذا بقية البضائع المأكولة كاللّحم، والخضر، والبقول، لكل نوع منها سوق أو خان يخصه.
يوجد في مدينة حلب عدد عظيم من الشوارع والأسواق الضيقة التي تغص بأدنى ازدحام. وسبب ذلك ضيق البلد داخل السور عن سكانه في الأيام القديمة. إذ لا يسعهم أن يعمروا خارج السور لاستيلاء الخوف والجزع عليهم إلا أنه مع هذا كان يوجد عدد عظيم من الساحات والفسحات في أكثر أنحاء البلدة وأرجائها، فالظاهر أنهم كانوا يتركونها عمدا لتكون لهم ملجأ ومعتصما إذا دهمهم حادث أرضي أو سماوي كالزلزال والحريق، أو كانوا يتخذونها معتركا في ثوراتهم، أو يجتمعون فيها لسماع أوامر الحكومة وتنبيهاتها، أو ليباع فيها بضاعة معلومة، كالملح، والحطب، أو ليقام فيها أسواق يومية، كسوق يوم الجمعة، وسوق يوم الأحد أو لغير ذلك من الأغراض والشؤون. والله أعلم بحقيقة الحال.
وأما تربتها فحسبك في مدحها ما سبق لنا بيانه في الكلام عليها فلا نعيده هنا. ولمهارة البساتنة عندنا ترى في البستان الواحد عدة طوائف من الغروس والنباتات، لكل طائفة منها محل خاص به. فترى أطراف البستان محفوفة بالأشجار التي يعظم حجمها، كالجوز