لم يمض عليها سوى سنيّات قليلة لما يشاهد من رونقها وبهجتها. أما الآن فإنه يوجد لهذه الصنعة صناع يعرفونها على نسق بسيط لا يستحقّ الذكر وقد ذهب مؤخرا بعض الشبان من المسيحيين إلى أميركا وتعلم هذه الصنعة على الأصول الحديثة وأتقنها واشتغل بها في حلب فكان عمله غاية في الرونق والإتقان. والمنتظر تعميم هذه الصنعة على هذا المنوال.
ومنها صنعة القمريات وهي عمل أغلاق للنوافذ العليا من البيوت. وكيفية عملها أن يسقط الزجاج الملون على مقدار الحجم المطلوب ويصبّ فوقه الجبسين المائع، فإذا جمد صار الزجاج قطعة واحدة فينحتون عنه الجبسين إلا ما لصق بين الزجاجات ثم يحيطونها بإطار من الخشب ويضعونها في محلها. وكانت هذه الصنعة متقنة جدا كما يظهر من طيقان قبليّة جامع العدلية. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة تشتغل بها على صفة بسيطة وصانعها مسلم.
ومنها صنعة الترّاس «١» ، وكانت حلب مشهورة بها كما أفاده الحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي في كتابه الذي سماه جهاننما. ولم يبق الآن من أهلها أحد.
ومنها صنعة عمل السيوف فقد فقدت ومات صناعها. ويحكى أنه كان يوجد لها في حلب صناع ماهرون أسر أكثرهم تيمور لنك حين استيلائه على حلب وكانوا يصنعون هذه السيوف من الفولاذ الخالص الذي يحمل إلى حلب من الهند.
ومنها صنعة الشمع الشحمي والعسلي. وكانت صنعة كبيرة جدا، واشتهر بها عدة بيوت في حلب. وقد بطلت بظهور الشمع الافرنجي لم يبق بها الآن سوى دكان واحدة يباع فيها الشمع العسلي يوقدونه في بعض المساجد. وأكثر الكنائس وبعض النصارى يصنعونه في بيوتهم.
ومنها صنعة الكبريت من عود الشهدانج «٢» المطلي من طرفيه بالكبريت. ومنها صنعة الظروف الخزفية التي تستعمل للتبغ: كالبواتق والسبلان ورؤوس النارجيلة ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة.