للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكناية من الإفهام فإنها أبلغ من صَريح الكلام، وأما أبو حنيفة فهو أعجمي فلا يستنكر عليهِ الجهل بهذه المسألةِ فأراد أن يتفصَّح ويتفقَّهَ ليثبت دعواه في العربية فقال: لو قالَ رجل لإمرأتِهِ زنأت (١) في الجَبَل وجبَ عليه الحد، والزنو هو الارتقاء فيه فخافَ أبو حنيفة أن يريدَ زنيت فيأتي بالمعنى ليخفي السبَّ، وهذا رجوع إلى مذهب مالك في وجوب الحد بالتعريض (٢)، وفروع القذف كثيرة أمهاتها مسألتان:

الأولى: اختلف العلماء في حد القذفِ، فمنهم من قال هو حقٌّ لله تعالى قال به أبو حنيفة (٣)، وقالت طائفة: هو حقٌّ للآدمي، قال به الشافعيُّ وعن مالك الروايتان (٤). المشهور أنه حقٌّ للآدمي، وقد بينا في صريح الخلافِ وتخليصه أن فيه شائبة حق لله، وشائبة حق للآدمي، إلَّا أن المغلب شائبة حق الآدمي، والمعوَّل لمن قال إنه حق الآدمي وقوف استيفائه على مطالبة الآدمي، وليسَ للقوم متعلق به احتقالٌ، إلَّا أنهم قالوا لو كان حقاً للآدمي لما شرط بالرق والحريةِ. قلنا قد شطر حق الآدمي بالرقِ، والحرية كالنكاحِ والطلاق فإن قيل لو كان للآدمي لجاز إسقاطه بالعفوِ كالقصاص. قلنا كذلك نقول في إحدى الروايتين يجوز العفو عنه (٥) مطلقًا والقول بالعفو إذا أراد ستراً ضَعيفٌ، وقد بينا ذلك في كتب المسائلِ.

الثانية: اتفق علماء الأمصارِ على أن القاذفَ إذا تابَ قبلت شهادته وخالفهم أبو حنيفة أخذاً بظاهر قولِ الله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً) (٦) وعجباً له. متى تفرست (٧).

تتميم: لم يبق في الدين ظاهراً إلا تركه، فلم يبقَ عليهِ إلَّا مراعاة هذا ولو راعاه كما


(١) قال ابن الأثير يقال زنا في الجبل يزنأ إذا صعد. النهاية ٢/ ٣١٥ وانظر لسان العرب ١٤/ ٣٦٠.
(٢) قال ابن هبيرة اختلفوا في التعريض هل يوجب الحد فقال أبو حنيفة لا يوجب الحد سواء نوى به القذف أو لم ينوه وقال مالك يوجب الحد على الإطلاق وقال الشافعي لا يوجب الحد إلا أن ينوي به القذف ويفسره به وعن أحمد روايتان أظهرهما وجوب الحد فيه على الإطلاق والأخرى كمذهب الشافعي الإفصاح ٢/ ١٧٠.
(٣) قال أبو حنيفة هو حق لله عَزَّ وَجَلَّ فلا يصح للمقذوف أن يسقطه ويبرأ منه الإفصاح ٢/ ١٧١.
(٤) قال مالك والشافعي هو حق للعبد يصح له أن يسقطه ويبرأ منه إلا أن مالكًا قال متى رفع إلى السلطان لم يملك المقذوف الإسقاط. الإفصاح ٢/ ١٧١.
(٥) في ج فيه.
(٦) سورة النور آية (٤).
(٧) في ج وك وم فرشت ولعلها فرست قال في القاموس تفرس تثبت ونظر وأرى الناس أنه فارس. ترتيب القاموس ٣/ ٤٦٩.

<<  <   >  >>