للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: الحديث لم يصح سنده، ومع هذا فله معنى صحيح لأن الشيطان يقصد بتلبيسه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، الفساد فخرجه الله تعالى إلى الصلاح (١) كمن يُعطى مثلًا ثيابًا أو سلاحًا بقصد المعصية فيذهب المعطى فيستعملها في الطاعة.

[(الصلاة علي النبي , - صلى الله عليه وسلم -)]

رويت الصلاة على النبي، - صلى الله عليه وسلم -، من طرق منها طريق كعب بن عجرة أنه قال: (قُلْنَا يَارَسُولَ الله قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ حَتَّى أَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: قولُوا الْلَّهُم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) (٢) الحديث. فقول الله تعالى: بيان لفظ الصلاة على النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وأنزله في هذه المسألة بالوحي فصار حدًا محدودًا لا يحل لأحد الزيادة فيه ولا النقصان منه. ووهم شيخنا أبو محمَّد ابن أبي (٣) زيد في هذه المسألة وهمًا قبيحًا خفي فيه عليه علم الأثر والنظر فقال في صفته: الصلاة على النبي، - صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد وأرحم محمدًا (٤).

وقوله: وارحم محمدًا كلمة ليس لها أصل إلا في حديث ضعيف وردت فيه خمسة ألفاظ (الْلَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَدٍ وَارْحَمْ وَبَارِكْ وَتَحَنَّنْ وَسَلِّمْ) (٥).


= الشديد، والحديث الذي ذكره ابن الصلاح بسنده إلى أبي داود رواه في سننه ١/ ٢٦٨ وهو حديث صحيِح، ولا شك أنه يختلف لفظه مع لفظ الحديث الوارد في الموطّأ ولفظه (إِنِّي لأنْسَى أو أنَسَّى لأِسُنَّ)، وعلى هذا فأرى أن ما ذهب إليه الشارح وقبله ابن عبد البر وابن حجر من تضعيف الحديث هو الصواب، والله أعلم.
(١) قال الحافظ: إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع. ونقل عياض الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية، وخص الخلاف بالأفعال لكن تعقبوه. نعم أتفق على جواز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان، إما متصلًا بالفعل أو بعده، كما وقع في حديث ذي اليدين من قوله (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ) ثم تبين أنه نسي. فتح الباري ٣/ ١٠١.
(٢) متفق عليه البخاري في تفسير سورة الأحزاب باب {إِنَ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ} ٦/ ١٥١.الدعوات باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -٨/ ٩٥، ومسلم في الصلاة باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بعد التشهُّد ١/ ٣٠٥ وأبو داود ١/ ٢٧٥ والترمذي ٢/ ٣٥٢ - ٣٥٤ وقال حسن صحيح والنسائي٣/ ٤٧ - ٤٨، وابن ماجه ١/ ٢٩٣، والبغوي في شرح السنة ٣/ ١٩٠.
(٣) أبو محمد بن أبي زيد تقدمت ترجمته ص ٢٤١.
(٤) تقدم الكلام على هذه المسألة ص ٢٤١.
(٥) رواه الحاكم في المستدرك ١/ ٢٦٩ وليسِ فيه وتحنن وهو من رواية يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويحكى هذا مجهول ويروي عن رجل يهم. نص على ذلك الحافظ، فقد قال في الفتح ١١/ ١٥٩: اغتر بتصحيح الحاكم لهذا الحديث قوم فوهموا فإنه من رواية يحيى بن السباق وهو مجهول عن رجل مبهم.

<<  <   >  >>