للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ذلك الناس فصار إجماعاً وكذلك قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}،يريد الأزواج، والنساء جمع امرأة على غير لفظه، كأنه قال وأم امرأتك، ولو قال هكذا لتناول الزوجة وما دخلت فيه الأمة لكن لحقت الأمة به لوجهين غريبين:

أما أحدهما: فإن النساء لغة تطلق على كل مؤنث من الآدميين فاجتمعا في اللغة وعرف الشرع، وهي مسألة اختلف الناس فيها لكن يقضى ها هنا بمطلق اللغة تغليباً للتحريم فلا تحل له أم أمته كما لا تحل له أم امرأته.

الثاني: أن تقدير الكلام (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمُ اللاَّتي حُلِّلْنَ لَكُمْ" فأشار إلى أن التحريم وقع في الأم بحل البنت خلت في ذلك الأمَة لوجود العلّة فيها وهو حل ابنتها، وكذلك قد امتنع أيضاً بمثل هذا بعينه إصابة الرجل أمة كانت لأبيه وتناولها على هذا التنزيل قوله تعالى {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النَسَاءِ إلًا مَا قَدْ سَلَفَ} (١)، ومن أبدع الإلحاق وأغربه أن القُبلة والملامسة والنظر بشهوة ينزل كل ذلك منزلة الوطء في إفادة التحريم في الفروع على الأصول فإذا نظر الرجل أو قبَّل بشهوة حُرِّمت على ابنه، والمعنى في ذلك أنه استمتع بها فحرِّمت على ابنة كما لو وطئها، وهذا أقوى من القياس، فإنَّ معنى قوله ولا تنكحوا ولا تستمتعوا؛ فإن النكاح استمتاع والأحكام تتعلق بمعاني الألفاظ دون قوالبها، ولو قال لا تستمتعوا لدخل في ذلك النظر والملامسة كذلك لو قال ولا تنكحوا.

[نكاح الأمة الكتابية]

اختلف العلماء فيها فصار أهل الكوفة إلى أن نكاحها جائز منهم (٢) (ح) وقال أهل الحجاز والمدينة: لا يجوز ذلك، منهم: (ش) (٣) واتفقوا على أنه يجوز وطئها بملك


= ٢/ ٥٣٨، والشافعي في مسنده ٢/ ١٦، والبيهقي في السنن الكبرى ٧/ ١٦٣، وابن أبي شيبة في مصنفه ٤/ ١٤٧، ورواه محمَّد بن الحسن في موطئه ص ١٨٠ وقال: بهذا نأخذ، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤٧٦ إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وعبد الرزاق في مصنفه ٧/ ١٨٩، وانظر شرح السنة ٩/ ٧١، المحرر الوجيز ٤/ ٧٢، القرطبي ٥/ ١١٦.
درجة الأثر: صحيح.
(١) سورة النساء آية ٢٢.
(٢) انظر أحكام القرآن للجصاص ٢/ ١٦٢، وتحفة الفقهاء للسمرقندي ١/ ١٩٢.
(٣) هذا مذهب مالك والشافعي. انظر أحكام القرآن للكيا الهراسي ٢/ ٢٨٣، والروضة للنووي ٧/ ١٢٩، والنكت والعيون للماوردي ١/ ٣٧٩، وانظر كذلك مذهب مالك في المنتقى ٣/ ٣٢٨، ٣٢٩، أحكام القرآن للشارح ١/ ٣٩١ وما بعده، وقد ردَّ فيه على الجصاص وناقشه كثيراً.

<<  <   >  >>