للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[باب ذكر الله تعالى]

حديث أبي هريرة (مَن قَالَ لَا إِلهَ إلاَّ الله) (١) إلى آخره. هذا أفضل كلام قاله النبي، - صلى الله عليه وسلم -، والنبيون من قبله، وإنما كان أفضل بما جمع من المعنى، وذلك لأن قوله لا إِله إلا الله نفيٌ لكل إلهٍ سواه بجميع المعاني وقوله (وَحْدَهُ) تأكيد للنفي من كل وجه، وقوله (لَا شَريكَ لَهُ) إشارة إلى نفي أن يكون هو جعله معيناً أو ظهيراً كما كانت العرب تقول (لَبيْكَ لَا شَرِيكَ لَك إلاَّ شَرِيكاً هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَك) (٢) وقوله (لَهُ المُلْكُ) بيان أن له الخلق والتصريف والتكليف والهداية والإِخلال والثواب والعقاب، والملك عبارة عما يتصرف في المخلوقات من القضايا والتدبيرات، وقوله (وَلَهُ الحَمْدُ) بيان بأن الخير بوجود ذلك كله راجع إليه والثناء فيه عائد عليه، وقوله (وَهُوَ عَلَى كُلٍّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) بيان لأن قدرته ليست فيما ظهر خاصة بل هو قادر على ما ظهر وما لم يظهر وعلى ما وجد وعلى ما لم يوجد. وأما ما ورد من مغفرة. الذنوب ومحو الخطايا بهذه الأذكار فقد تقدم، لكنا نجدّد به عهداً لما طرأ ها هنا من الزيادة وهي قوله (غُفِرَت لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثُل زَبَدِ الْبَحْرِ).

إعلموا، وفقكم الله تعالى، أن غفران السيئات يكون بثلاثة أوجه:

الأول: إما بفضل الله ورحمته ابتداء كقوله في الحديث (يَقْولُ لَهْ: عَبْدِي أتَذْكرُ يَوْمَ كَذَا إذْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إذَا رَأَى الرَّجُلَ أَنْ قَدْ هَلَك يَقُولُ أَنَا سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدَّنْيَا وَأَنَا


(١) الموطأ ١/ ٢٠٩، والبخاري كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ٤/ ١٥٣، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل التهليل والتسبح والدعاء ٤/ ٢٠٧١، ولفظه (مَنْ قَالَ لاَ إلهَ إلاَّ الله وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْك ولَهُ الْحَمْدُ ؤهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رقَابٍ وَكُتبَ لَهُ مَائَة حَسَنَةٍ وَمُحيَتْ عَنْهُ مائَةُ سَيئة وَكانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ).
(٢) ورد ذلك من حديث أنس قال: (كَانَ النَّاسُ بَعْدَ إسْمَاعِيلَ عَلَى الْإسْلاَمِ فَكَانَ الشَّيْطَانُ يُحَدِّثُ النَّاسَ بالشَّيْء يُريدُ أنْ يَرُدَّهُمْ عَنِ الْإسْلاَمِ حَتْى أَدْخَل عَلَيْهِمْ في التلْبِيةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ .. فمَا زَال حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنَ الإسْلَام إلى الشِّرْكِ)، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد ٣/ ٢٢٣، وانظر كشف الأستار ٢/ ١٥.
درجة الحديث: صححه الهيثمي.

<<  <   >  >>