للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" (١)، وقال الله تعالى في القرآن: {بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (٢) , {بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، (٣)، ولأنه لا يدرأ بيمينه عن نفسه العقوية، ولو كانت شهادة لثبت بها الحق على غيره، وإذا أثبت أن المغلَّب فيه جهة اليمين فإنه يلاعن المسلم والكافر والعبد والحرّ والعدل والفاسق والأعمى والبصير.

السادس: أن العلماء اختلفوا هل اللعان عقوبة أم لا؟ فقال أبو حنيفة وأهل العراق: إنه عقوبة (٤)، وربما ظهر هذا ببادىء الرأي أما فيه من هول المطلع، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحَدُكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبُ"، والصحيح أنه ليس بعقوبة وإنما هو خلاص من الدناءة، كما بيَّناه. أما إنَّ الكاذب منهما عاصٍ بفجوره متعرض للعنة الله ولغضبه لكنه غير متعين عندنا، ولذلك قلنا: إنه يبقى بعدالته بعد اللعان وعلى مرتبته في الإسلام، وربك أعلم بباطن الحال وعاقبة الأمر.

[باب طلاق المريض]

هذه المسألة من المصالح التي انفرد بها مالك، دون سائر العلماء، فإنه رد طلاق المريض عليه تهمة له في أن يكون قصد الفرار من الميراث، وخالفه سائر الفقهاء والحق له؛ لأن المصلحة أصل وقطع الحقوق لا يمكن منها بالظنون، وقد طلَّق عبدا الرحمن بن عوف زوجته تماضر فاتفق عثمان وعلي على الميراث وقضى عثمان به (٥)، وكان موت


(١) تقدم تخريجه.
(٢) سورة النور آية ٦.
(٣) سورة النور آية ٨.
(٤) انظر أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٢٨٦.
(٥) الموطأ ٢/ ٥٧١. مَالِك عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عوْفٍ قَالَ وَكَانَ أعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْرحْمنِ بْنِ عوْفٍ أن عَبْدَ الْرحْمنِ بْنَ عَوْفٍ طَلقَ امْرأتَة ألْبَتةَ وَهُوَ مَرِيض فَوَرثَهَا عُثْمَان مِنْه بَعْدَ انقِضَاءِ عِدَّتَهَا. ورواه عبد الرزاق عَنْ ابنِ جرَيْجٍ قَالَ: أخْبَرَنَا ابن أبِي ملَيْكَةَ أنهُ سَألَ ابنَ الزبَيْرِ عَنِ الرجلِ يُطَلِّق الْمَراةَ فَيبتُّها ثُمَّ يموت وَهِيَ في عِدَّتِهَا، فَقَالَ ابنُ الزبَيْر: طَلَّقَ عبد الرحْمنِ ابن عَوْفٍ ابنَةَ الأصْبغِ الْكَلْبِي فَبَتهَا ثم مَاتَ وَهيَ في عِدَّتِهَا فَوَرثَهَا عُثْمَانُ، قَالَ ابنُ الزبَيْرِ: وَأما أنَا فَلَا أرَى أنْ تَرِثَ الْمبْتوتَةُ، قَالَ ابنُ أبِي ملَيْكَةَ: وَهِيَ التِي تَزْعَمُ أنهُ طَلَّقَهَا مَرِيضاً. المصنف ٧/ ٦٢، ورواه الشافعي عن =

<<  <   >  >>