للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه أصول أحاديث الرجم بجملتها ولا خلافَ فيه بين الأئمة إلَّا أنَّ طائفة، من البربر نزلت على جبلِ طرابلس ليسَ لهم إلَّا مطلع ضيق كفروا بالله ورسوله، وتستروا بكلمة الإِسلام والتعصب لعثمانٍ، ويرون أن الوضوء بدعة وأن التيمم هو الأصل والزاهدُ منهم هو الذي ماتَ ولم يمسّ عمره ماءً وَيرونَ سقوط الرجمِ ويضربون الزاني بالسياط حتى يموت، في محالاتٍ لا نهاية لها، وكانوا يخالطوننا ويجالسوننا، فقلتُ لعلمائِنا أيحل لكم أن تتركوا هؤلاء بين أظهُرِكُمْ على هذه الحالة من الكفرِ فقالوا: إن القومَ في عَددٍ عظيم وفي منعةٍ من المكان لا ترقى إليهم الأوهام، ولو اعترضنا أحداً ممن ينزل منهم لقتلوا بالواحد منهم مائة منَّا، فعلمتُ عذرهم.

وهمٌ وتنبيه:

ظنَّ بعضُ الناس أن الرجمَ الوارد في الشريعة ناسخ للحبس إلى الموت الذي كان مشروعاً قبله وقد بيَّنا فساد ذلك في كتب الأصول من وجوه أقربها الآن إليكم أن الحبسَ في البيوتِ كانَ حكماً ممدداً إلى غايةٍ، وكل حكمٍ مد إلى غايةٍ فانتهى إليها لا يكون انتهاؤه نسخًا وهو أحد شروط النسخ الأربعة التي يدور عليها، لا سيما وحكم الغاية أن يكونَ ما بَعدها مخالفاً لما قبلها، وإلَّا فما كانت تكون غاية (١)، واعلموا وفقكم الله أن في هذه الأحاديث أحكامًا وفوائد عظيمة وقد استوفيناها في شرح الحديث الحاضر الآن مما يتعلق بها خمسة عشر حكماً:


=طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج واحتج الجمهور بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم وكذلك الأئمة بعده. فتح الباري ١٢/ ١١٨.
(١) قال ابن الجوزي قوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) وقوله (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) الآيتان أما الآية الأولى فإنها دلت على أن حد الزانية كان أول الإِسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلًا وهو عام في البكر والثيب والآية الثانية اقتضت أن حد الزانيين الأذى فظهر من الآيتين أن حد المرأة كان الحبس والأذى جميعًا وحد الرجل كان الأذى فقط لأن الحبس ورد خاصاً في النساء والأذى ورد عاماً في الرجل والمرأة وإنما خص النساء في الآية الأولى بالذكر لأنهن يتفردن بالحبس دون الرجال وجمع بينهما في الآية الثانية لأنهما يشتركان في الأذى ولا يختلف العلماء في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين أعني الحبس والأذى وإنما اختلفوا بماذا نسخا فقال قوم نسخا بقوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} نواسخ القرآن لابن الجوزي ص ٢٦٢ - ٢٦٣ وانظر أحكام القرآن لابن العربي ص ٣٥٧ تفسير القرطبي ٥/ ٨٤ وأحكام القرآن للكيالهراسي ٢/ ١٩١ شرح النووي على مسلم ١١/ ١٨٩.

<<  <   >  >>