للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما مال إليها البخاري (١) ونزع من ذهب إلى ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَعْقُدُ الشَيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكمْ" (٢) الحديث إلى قوله كَسْلاَن وهذا لا يصح؛ لأن عائشة، رضي الله عنها، قد صرحت في الصحيح أن قيام الليل منسوخ، ومحمل هذا الحديث بعد ذلك على الصلاة المفروضة وهي الصبح، وأيّ عقدة للشيطان لا تحلها صلاة الفجر والعبد بأدائها قد صار في ذمة الله تعالى حسب ما ورد في الحديث (٣).

تتميم: ورد فيما قدمناه من الأحاديث ألفاظ من المشكل رأينا أن نعطف عليها العنان بالإشارة إلى البيان حتى لا يمر القلب بها عليلًا أو يكون ما يراه منها عنده مجهولًا.

قوله: يَنَزِلُ رَبُّنَا: هذا الحديث أمّ في الأحاديث المتشابهة، وقد ذهب كثير من العلماء، وخاصة من السلف، إلى أن يؤمن يها ولا يخوض في تأويلها؛ وقد رأى شيخ القراء (٤) الوقوف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} (٥) ويتبدىء بقوله: والراسخون


= عنه أنه قيل له ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به إنما يصلي بالمكتوبة؟ فقال: لعن الله هذا، إنما يتوسّد القرآن، فقيل له قال الله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، قال: نعم ولو قدر خمسين آية، وكأن هذا هو مستند من نقل عنه الوجوب. فتح الباري ٣/ ٢٧.
(١) رد الحافظ ابن حجر على هذا القول فقد قال في الفتح ٣/ ٢٧: ادعى ابن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل لقوله (يَعْقُدُ الشَّيْطَانُ) وفيه نظر، فقد صرّح البخاري، في خامس ترجمة من أبواب التهجد، بخلافه حيث قال (من غير إيجاب)، وأيضًا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة يدفع ما قاله ابن العربي. وانظر البخاري في التهجد باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم -، على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب. البخاري ٢/ ٦٢.
(٢) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في موضعين: الأول في التهجد باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ ٢/ ٦٥، والثاني في بدء الخلق باب صفة إِبليس وجنوده ٤/ ١٤٧ - ١٤٨، ومسلم في صلاة المسافرين باب فيما روي فيمن نام الليل أجمع حتى الصبح ١/ ٥٣٨، وأبو داود ٢/ ٧٢، وابن ماجه ١/ ٤٢١ كلهم عن أبي هريرة.
(٣) مسلم في كتاب المساجد باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة ١/ ٤٥٤، والترمذي ١/ ٤٣٤، وقال حسن صحيح ورواه أحمد في المسند ٤/ ٣١٢ - ٣١٣ بإسنادين عن الحسن عن جندب مرفوعًا كلهم عن جندب.
(٤) أقول: الذي يترجح لدي أنه أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد بن عثمان، أحد حفاظ الحديث ومن الأئمة في علم القرآن وروايته وتفسيره من أهل دانبة بالأندلس؛ ولد سنة ٣٧١ - ٤٤٤ هـ الأعلام للزركلي ٤/ ٣٦٦، وانظر النجوم الزاهرة ٥/ ٥٤، ونفح الطيب ١/ ٣٩٢ والصلة ٣٩٨، وبغية الملتمس ٣٩٩، وغاية النهاية ١/ ٥٠٣، والنشر في القراءات العشر ١/ ٥٨.
(٥) قال ابن كثير وقال عبد الرزاق كان ابن عباس يقرأ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} ويقول الراسخون أمنا به، =

<<  <   >  >>