للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وحرفت الطرق فلا شفعة (١))، فإنما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في مال مشترك مآله القسمة وليس بين المتجاورين شركة ولا بين المتجاورين خلطة فأي وجه للقضاء بينهم بالشفعة والخلطة التي بينهم إنما هي خلطة صحبة وكم من جارين لا يلتقيان لكل واحد منهما خليل ومخالط هما عنهما متباينان فإن قيل فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الجار أحق بصقبه) (٢)، قلنا: قد تكلمنا على هذه الأحاديث والتعليل في مسائل الخلاف بكلام طويل منتخب يغنيكم عنه الآن أن الصقب هو القرب (٣) والقرب المراعى إنما هو قرب الشركة بدليل قوله: (الشفعة فيما لم يقسم) فأما لفظ الجار فإن الشريك أخص الجارين والعرب تسمي الشريكين جارين كما تسمي بذلك متقاربي المنزلين قال الشاعر:

أجارتنا بيني فإنك طالقه (٤)

فإذا تمهد هذا فإن مسائل الشفعة كثيرة وتفريعاتها متشعبة أمهات مسائلها ثمانية مسائل:

[المسألة الأولى]

اتفق علماء الأمصار على أن الشفعة إنما تكون في العقار دون المنقول لما قدمناه من


(١) مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "قضى بالشفعة فيما لم يقسم ... " الموطأ ٢/ ٧١٣، قال ابن عبد البر مرسل عن مالك لأكثر رواة الموطأ وغيرهم. قال الحافظ اختلف على الزهري في هذا الإسناد فقال مالك عن أبي سلمة وابن المسيب مرسلاً كذا رواه الشافعي وغيره ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي ورواه ابن جريج عن الزهري كذلك لكن قال عنهما أو عن أحدهما أخرجه أبو داود والمحفوظ روايته عن أبي سلمة عن جابر موصولاً وعن ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وما سوى ذلك شذوذ ممن رواه. فتح الباري ٤/ ٤٣٦.
قلت الرواية الموصولة عند البخاري من حديث أبي سلمة عن جابر ٣/ ١١٤ وانظر التلخيص ٣/ ٥٥.
(٢) أخرجه البخاري في الشفعة ٣/ ١١٤ من حديث أبي رافع.
(٣) قال البغوي السقب القرب بالسين والصاد يريد بما يليه ولما يقرب منه وليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد منه الشفعة ويحتمل أنه أحق بالبر والمعونة، شرح السنة ٨/ ٢٤٢. وقال ابن الأثير السقب بالسين والصاد في الأصل القرب يقال سقبت الدار وأسقب أي قربت ويحتج بهذا الحديث من أوجب الشفعة للجار وإن لم يكن مقاسماً. النهاية ٢/ ٣٧٧.
(٤) البيت عزاه ابن منظور في لسان العرب ١٠/ ٢٢٥ للأعشى.
وتمام البيت:
أجارتنا بيني فإنك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطالقه

<<  <   >  >>