للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفساد من المأكولات ولم يصلح للادخار لا قطع في سرقته، لأنه معرض للتلفِ لا قطع على من سرقه، كالملقى بمضيعة (١). قلنا: لا يشبه هذا فهم أبي حنيفة، فإن المال الملقى بمضيعة لا يتعلق به طمع ولا يجوز فيه بيع فصار في حيز المعدوم والمال الملقى بمضيعة قصد به التعريض للتلفِ، والمال الذي يصلح للبقاء والادخار، إذا حوولت فيه صنعة يسرع معه الفسَاد إليها، فلم يقصد فيه الفسَاد والتعرض للتلفِ، وإنما قصد فيه الاستصلاح للذة والبقاء، ومن ضرورة جبلة ذلك حسب ما أجرى الله العادة فيه أن يفسد، فذلك فساد ضرورة لا فساد قصد، فلم يصح أن يعتبر بشيء من ذلك.

المعقد السابع: يقطع النباش عندنا، وبه قال الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة لا يقطع لوجهين: أحدهما: عدم السرقة. الثاني: عدم الحرز. قال: وعلي تأصيل زائد إلى ذلك أنه قصد به الفساد والتعريض للتلف، فصار كالملقى بالمضيعة، ولذلك قال الصديق الحي أحوج للجديد من الميت، إنما ذلك للمهلة (٢) والصديد (٣)، قال: أما عدم السرقة، فإنما تكون السرقة عند تحديق أعين النظار الحفاظ وتصويبها نحو المحفوظِ، والكفن لا عين فيه تحفظه ولا تلحظه، وأما عدم الحرز فظاهر لأنه لم تجعل التراب عليه ليرجع إليه، قلنا: أما تحقيق السرقة فهي فيه لا شك موجودة، هو من جملةِ السرقةِ، ولكنه يختص باسم النباش اشتق له هذا الاسم من فعلهِ، وأما قولهم إنه ليس هنالك عين تحفظه وتلحظه، فليس ذلك من شروطِ السرقةِ، بدليل أنَ البلدَ إذا شغر (٤) أهله في يوم


(١) قال الوزير ابن هبيرة اختلفوا في القطع بسرقة ما يسرع إليه الفساد فقال مالك والشافعي وأحمد يجب القطع فيه إذا بلغ الحد الذي يقطع في مثله بالقيمة وقال أبو حنيفة لا يجب القطع فيه وإن بلغت قيمة ما يسرق نصاباً. الإفصاح ٢/ ٢٥١.
(٢) قال أبو عبيد المهل الصديد والقيح. شرح السنة ٥/ ٣١٦.
(٣) رواه مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض في كم كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت في ثلاثة أثواب سحولية فقال أبو بكر خذوا هذا الثوب (لثوب عليه قد أصابه مشق (*) أو زعفران) فاغسلوه ثم كفنوني فيه ثم ثوبين آخرين فقالت عائشة وما هذا فقال أبو بكر الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هو للمهلة الموطأ ١/ ٢٢٤ ورواه البخاري في الجنائز من طريق هشام ابن عروة عن أبيه عن عاثشة رضي الله عنها قالت دخل علي أبو بكر رضي الله عنه فقال في كم كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة .. البخاري ٢/ ١٢٧.
(*) مشق أي صباغ يقال ثوب ممشق مصبوغ به. النهاية ٤/ ٢٣٤ غريب الحديث لابن الجوزي ٢/ ٣٦٠.
(٤) شغرت الأرض لم يبق بها أحد يحميها ويضبطها فهي شاغرة. ترتيب القاموس ٢/ ٧٢٥.

<<  <   >  >>