للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليس لها عندي معنى بل هي ثقل لليدِ وشغل للبال.

بابُ العين

قد بينا في كل موضعٍ بتأييدِ الله تعالى وتوفيقه، أن البارئ تعالى هو الخالقُ وحده فليسَ في السمواتِ والأرض حركة ولا سكنة ولا كلمة ولا لفظة إلا والبارىء تعالى هو خالِقها في العبد ومصرفها فيه ومقدرها له وهو تعالى يرتب أفعالهُ وينظم أسبابها ويرتب الفوائد على الأسباب ولو شاء لقطعَ الروابط وخلق الكلِ ابتداءً، وكذلك يفعلُ في بعضِ الأشياء والمحال لينبه الغافلين على ذلك من سيرته فالناس بغفلتهم يتعلقون بالأسباب وينسون المسبب، وإنما ينبغي أن ينزل كل شيء على مرتبته. فيقال إن الله تعالى فاعل لكل شيء وأجرى العادة بكذا، وقد يفهم الخلق حكمة الله تعالى في الأسباب والمسببات وتلك نعمة منه تنشرح بها الصدور، وقد تقصر معرفتهم عنها فيجب التسليم لها، فليس يلزم السيد أن يطلعَ العبد على شيء من أسراره، فكيف على جميعها، فما عرَّفه به منها فليحمده عليه فهوَ البرّ الرحيم. فمن الأسباب والمسببات المنتظمة في العالم أن الله تعالى خلقَ النفسَ على صفاتٍ يطول تعدادُها بمعرفتها تعرف ربها، فإن من عرفَ نفسه عرفَ ربه وقال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (١) وليس ذلك كما قال بعضُ العلماء أن يكونَ الشراب والطعام يدخل من منفذ واحد ويخرج من منفذين، ولا أن الخبر يقعُ من عضوٍ واحد وهو اللسان في عضوين وهما الأذنان بل هذا القدر جزء من مائة ألف أو أكثر من ذلك مما لا يحصى من حكم النفس وقد أوردنا منها في أنوار الفجر، في مجالس الذكر ألف حكمةٍ وكان ذلك يسيرًا جدًا بالإضافة إلى من (يعلمه) (٢) هو أعلم منَّا أضعافًا مضاعفةً فمن أثارِ النفس ما يظهر على الجسم في حالات مختلفةٍ فأضعفها ما يتعلق بها من التوهم حتى يظهرَ في أثره في البَدن معجلاً ويحدث الله تعالى فيه فعلًا غريبًا يكون سببه والمقدمة إليه التوهم الذي علقته النفس مثاله أن العبد يمشي في الأرض على مقدار من المساحة سعته ذراع ولو مشى على مثله في


(١) سورة الذاريات آية (٢١).
(٢) ما بين القوسين ليس في ج وم.

<<  <   >  >>