للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمل الخلفاء فقوي بذلك مكانه؛ وقد بينا في مسائل الخلاف أن لو ثبت نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو محرم اختصاصه بما لا يشاركه غيره فيه من الأحكام وخصوصاً في النكاح.

[ما يجوز للمحرم أكله من الصيد]

هذه مسألة عظيمة اختلف فيها العلماء واضطربت فيها المذاهب (١) اضطراباً كثيراً على أقوال أصولها ثلاثة:

الأول: يؤكل كل صيد إذا لم يكن تناول صيده من المحرم.

الثاني: يؤكل ما لم يقصد به المحرم معيناً.

الثالث: إنه لا يؤكل كل صيد يلتقي به المحرمون مخافة أن يكون قصد به، وفي ذلك نكتة بديعة وهي أن الله تعالى قال: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (٢)، والمراد به لا تصيدوه فحرَّم سبب الأكل ونبَّه فيه على تحريم الأكل، فاقتضى ظاهر الآية الامتناع من أكله واقتضى نصها تحريم صيده (٣). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، للصعب بن جثامة: "وَقَدْ أهْدَى لَهُ حِمَاراً وَحْشِيّاً إنا لَمْ نرُدّهُ عَلَيْكَ إلَّا انا حُرُمٌ" (٤) فاقتضى ذلك تحريم ما صيد من أجل المحرم. ويحتمل أن يكون الحمار حيّاً فامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم -، من قبوله لأنه لو قبله كان يلزمه إرساله فرأى إبقاءه على مُلْك صاحبه أولى، والأول أظهر في التأويلين. وحديث أبي قتادة نصّ في أن يأكل المحرم ما لم يصد من أجله (٥).


= درجة الحديث: صححه الشيخ ناصر فقال: سند صحيح على شرط مسلم. إرواء الغليل ٤/ ٢٢٨.
(١) في (م) المذهب.
(٢) سورة المائدة آية ٩٥.
(٣) انظر كلام الشارح على الآية في كتاب الأحكام ٢/ ٦٦٤.
(٤) الموطأ ١/ ٣٥٣، وهو متفق عليه. البخاري في الحج باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً ٣/ ١٦، ومسلم في الحج باب تحريم الصيد للمحرم ٢/ ٨٥٠، وشرح السنة ٧/ ٢٦١.
(٥) متفق عليه. البخاري في كتاب الجهاد باب ما قيل في الرماح ٤/ ٤٩, ومسلم في الحج باب تحريم الصيد للمحرم ٢/ ٨٥٢، والموطأ ١/ ٣٥٠ وشرح السنة ٧/ ٢٦٢، ولفظه: أنهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، حَتى إذَا كَانُوا بِبَعْض طَرُيقِ مَكةَ تَخَلَّفَ مَعْ أصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِم فَرَأى حِمَاراً وَحشاً فَاستَوَى عَلَى فَرَسِهِ ... فَقَتَلَة فَأكَلَ مِنْة بَعْضُ أصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأبى بَعْضُهُمْ، فَلَما أدرَكوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، سألوة عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ طُعْمَة أطْعَمَكموهَا الله. لفظ الموطّأ.
قال الحافظ: جمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم، قالوا: والسبب =

<<  <   >  >>