للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قطعَ في بيضة قيمتَها ثلاثون درهماً (١)، وهذا الحديث لا يساوي سماعه، وإنما معنى الحديث تحقير العبد المتعرض للسرقةِ المتلبس بدناءاتها المتوصل من قليلها إلى كثيرها، فإن الخيرَ عادة، والشر لجاجة (٢)، ويعود ذلك إلى ضرب المثل وذلك كثير في الشريعة في تحقير المحمَر وتعظيم المعظم كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بني لله مسجداً ولو مثل مفحص قطاةٍ بني الله له بيتاً في الجنة) (٣) والمراد بذلك المبالغة في تعظيم ثوابِ المساجدِ مع صغر بنائِها. ووجه المثل أن من بني لله مسجداً لا يُصَلي فيه إلا واحد كأفحوص القطاةِ التي لا يسع سواها.

المعقد الثاني: قالت طائِفة لا يؤبه لها أن القطعَ لا يقف على أخذِ المالِ من الحرز لعموم هذه الآية (٤)، وهذا مصَادمة للإجماع السابق من الأمة قبلهم، مع أنه يرده أمران ظاهران. أما الأول: فإن السرقة تقتضي حفظاً يخالفُ بالأخذِ فإذا لم يكن هنالك حافظ لم يكن هنالك سارق، ولأجل هذا لم يعد آخذ المالِ الملقى على الطريق والمطروح في المفازة سارقاً لأنه لم يكن له حافظ. والثائي: قول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لا قطع في ثمرٍ ولا كثر إلَّا ما أواه الجرين (٥)، فشرط في وجوب القطع وضع المالِ في موضع الحفظ.

المعقد الثالث: القول في النصاب. لما ثبت الفرق بينَ قليل المال وكثيره في وجوب


= وحاصله أن المراد بالخبر أن السارق يسرق الجليل فتقطع يده ويسرق الحقير فتقطع يده فكأنه تعجيز له وتضعيف لاختياره لكونه باع يده بقليل الثمن وكثيره. فتح الباري ١٢/ ٨٣.
(١) لم أجد الحديث بهذا اللفظ وقد أخرج البزار ما يقاربه من طريق المختار بن نافع عن أبي حبان التميمي عن أبيه عن علي أن النبى - صلى الله عليه وسلم - (قطع في بيضة من حديد قيمتها أحد وعشرون درهماً) قال البزار هكذا حدثناه محمَّد بن مرزوق ورواه غيره عن المختار عن أبي مطر عن علي بن أبي طالب. كشف الأستار ٢/ ٢٢٠ ولم يعزه الهيثمي في المجمع لغير البزار وقال فيه المختار بن نافع وهو ضعيف مجمع الزوائد ٦/ ١٧٤.
(٢) أي دربة وهو أن يعوده نفسه حتى يصير سجية له وأما الشر فالنفس تلح في ارتكابه لا تكاد تخليه. أساس البلاغة ص ٣١٦.
(٣) رواه أحمد من طريق جابر الجعفى عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المسند ١/ ٢٤١ والبزار انظر كشف الأستار ١/ ٢٠٤ وابن عدي في الكامل ٢/ ٥٤٢ في ترجمة جابر الجعفي وأورده الهيثمي في المجمع ٢/ ٧ وأعله بجابر الجعفي وذكره الشيخ ناصر في صحيح الجامع الصغير ٥/ ٢٦٥ وصححه ولا أدري كيف صححه وفيه جابر الجعفي وقد قدمنا الكلام عليه ورواه ابن أبي شيبة ١/ ٣١٠.
(٤) قال القرطبي وحكي عن الحسن وأهل الظاهر أنهم لم يشترطوا الحرز القرطبي ٦/ ١٦٢.
(٥) رواه مالك في الموطأ ٢/ ٨٣٩ وأحمد في المسند ٣/ ٤٦٣ و ٤٦٤ و ٤/ ١٤٠ و ١٤٣ وأبو داود (٤٣٨٨) والنسائي ٨/ ٨٧ والبيهقي ٨/ ٢٦٢ و٢٦٣ من حديث يحيى بن سعيد عن محمَّد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج =

<<  <   >  >>