للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الجهاد]

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "مَثْلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصَّائِمِ" (١) الحديث. قال علماؤنا، رضي الله عنهم: جهاد العدو الظاهر فرض من فروض الكفاية (٢)، وهم الكفار، وجهاد العدو الباطن فرض من فروض الأعيان، وهو الشيطان، وقد ترددت أحواله في الشريعة على خمس مراتب؛ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في أول الإِسلام مأمورين بالإعراض عن المشركين والصبر على إيذائهم والاستسلام لحكم الله تعالى فيهم. ثم أذن له في القتال فقيل له: {أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (٣)، ثم فرض عليهم على العموم فقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (٤)، وقال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (٥)، ثم قيل له وهي الخامسة التي استقرت عليها الشريعة: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (٦) خاصة. فأما قوله {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة} (٧) الآية،


(١) متفق عليه. البخاري في الجهاد باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، البخاري ٤/ ١٨، ومسلم في الإمارة باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى ٣/ ١٤٩٨، والموطّأ ٢/ ٤٤٣ كلهم من حديث أبي هريرة قال: سمِعْتُ رَسُولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، يَقُول: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله وَالله أعْلَمُ بِمَنْ يجَاهِدُ في سَبِيلِهِ كمَثَلِ الصائِمِ الْقَائمِ ... " لفظ البخاري.
(٢) قال ابن رشد: أجمع العلماء على أنه فرض على الكفاية لا فرض عين إلا عبد الله بن الحسن فإنه قال: إنه تطوعٍ، وإنما صار الجمهور لكونه فرضاً لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} وأما كونه فرضاً على الكفاية .. إذا قام به البعض سقط عن البعض فلقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ولم يخرج قط رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، للغزو إلا وترك بعض الناس ... فاقتضى ذلك كون هذه الوظيفة فرضاً على الكفاية. بداية المجتهد ١/ ٣٠٧.
(٣) سورة الحج آية ٣٩.
(٤) سورة التوبة آية ٣٦.
(٥) سورة التوية آية ٤١.
(٦) سورة التوية آية ١٢٢.
(٧) سورة التوية آية ١٢٢.
قال الشارح في الأحكام: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} قال ابن عباس: نسختها {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ...} ثم قال: أما نسخ بعض هذه لبعض فيفتقر إلى معرفة التاريخ فيها، وأما الظاهر فنسخ الاستنفار العام لأنه الطارئ فإن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، كان يغزو في فئام من الناس ولم يستوفِ قط جميع الناس إلا في غزوة العسرة. الأحكام ٢/ ١٠١٨.

<<  <   >  >>