للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به (١)، والفسوق هو الذبح لغير الله (٢) تعالى، وإنما تكون الهدايا له ولا جدال؛ أي لا تقول طائفة نقف بالمزدلفة وطائفة نقف بعرفة، بل الموقف لكل واحد وهو بعرفة. وأما الجدال والفسق فقد انقطعا شرعاً ووجوداً، وأما الرفث فانقطع شرعاً ولم ينقطع وجوداً، فإذا وجد أفسد الحج كما قلنا وقد قال قوم: إن المراد بالفسوق ها هنا سائر المعاصي (٣)، معناه أن الحج يحرم الوطء المباح ويحرم سائر المعاصي المحظورة؛ أي يزيد تحريمها تأكيداً فيصون حجه عن المباحات والمحظورات وهو المبرور. فأما الجدال فلا مدخل له في شيء من ذكل وبذلك قرأ الأكثرون {فَلاَ رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ} بالرفع والتنوين (٤) واتفقوا على قوله، ولا جدال أنه بالنصب وعدم التنوين، وقد بيّنا حكمة ذلك في ملجئة المتفقهين (٥).


(١) وقال في الأحكام: الرفث كل قول يتعلق بالنساء .. وقد يطلق على الفعل من الجماع والمباشرة، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، وكان ابن عمرو وابن عباس يريان أن ذلك لا يمتنع إلا إذا روجع به النساء، فإذا ذكره الرجل منفرداً عنهن لم يدخل في النهي وفيه نظر، فإن الحج منع فيه من التلفظ بالنكاح وهي كلمة واحده فكيف بالاسترسال على القول يذكر كله، الأحكام ١/ ١٣٣.
(٢) هذا أحد ثلاثة أقوال ذكرها الشارح في الأحكام: الأول جميع المعاصي، الثاني: أنه قتل الصيد، والثالث: هو الذي ذكره هنا، وقال: الصحيح أن المراد بالآية جميعها، الأحكام ١/ ١٣٤.
(٣) هذا القول عزاه القرطبي لابن عباس والحسن وقال: وكذلك قال عمر وجماعة: إتيان معاصي الله، عز وجل، في حال إحرامه بالحج كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر، وقال ابن زيد ومالك: الفسوق الذبح للأصنام ومنه قوله تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}. تفسير القرطبي ٢/ ٤٠٧ - ٤٠٨.
(٤) هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو. الإقناع في القراءات السبع: ٢/ ٦٠٨.
(٥) هكذا قال أيضاً في الأحكام ١/ ١٣٥.
وقال القرطبي: اختلف العلماء في المعنى المراد به هنا (أي الجدال) على أقوال ستة: الأول: قاله ابن مسعود وابن عباس وعطاء الجدال هنا أن تماري مسلماً حتى تغضبه فينتهي إلى السباب فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها.
وقال قتادة الجدال السباب. الثالث: قول ابن زيد ومالك: الجدال أن يختلف الناس أيهم صادف موقف إبراهيم، عليه السلام، كما كانوا يفعلون في الجاهلية. الرابع: أن تقول طائفة الحج اليوم وتقول الأخرى الحج غداً.
الخامس: قال مجاهد وطائفة: الجدال المماراة في الشهور.
السادس: قول محمَّد بن كعب القرطبي: الجدال أن تقول طائفة: حجنا أبر من حجكم ويقول الآخر مثل ذلك. تفسير القرطبي ٢/ ٤١٠.

<<  <   >  >>