للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتردد هنالك سبعاً ويخبّ ويرمل زيادة في الاجتهاد وحضاً للنفس على الاستعداد، ثم يخرج إلى عرفة، وهو الموقف الأكبر، فيمثل فيه مع جميع الخلائق، كما يمثل بالمحشر، فيتضرعون ويدعون ويجتهدون ويخلصون وينتظرون الرحمة ويتشوقون. فالذي يقطع به أن قصدهم لا يخيب، وأن دعوتهم بحرمة الجماعة لا تردّ. قال القاضي أبو بكر: كان شيخنا القاضي أبو المعالي عزيزي بن شيذلة (١) الواعظ يقول: كان شيخنا الدامغاني (٢)، صاحب سوق العروس، يقول، إذا حضر بعرفة: (اللهم اقبلني معهم وإن كنت زائفاً فقد يسمح الناقد وإن كان عارفاً) (٣) ثم يعود متوجهاً إلى حضرة القدس فيرمي بالجمار من يعترضه فيما فعل أو ينكر عليه ما أتى به، ثم يعود إلى باب الملك فيطوف به كأنه يستقضي ما رجاه ويستنجز ما دعاه، ثم يعقد النية ويصحح الرَّجاء أن ذلك العمل مقبول، والدعاء غير مردود، ما لم يكن معه ما يناقضه من طلب فخر أو إعراض عن خدمة الملك التي قصد إليها بإكباب على مخالفتِه وانتهاك لمحارمه.

توفية: قد بيَّنا أن الحج له أركان لا يتم إلا بها وفيه محظورات لا يجوز فيه فعلها، وهي على قسمين منها ما يفسد الحج كالوطء (٤)، ومنها ما يُجبر بالنسك كسائر المحظوِرات سواه، وهذا معلومِ بإجماع من الصحابة، رضي الله عنه، قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (٥). فالرفث هو الوطء وما تعلَّق


(١) عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلى، أبو المعالي، المعروف بشيذلة. واعظ من فقهاء الشافعية له اشتغال بالأدب، من أهل جيلان، ولي القضاء ببغداد ومات بها سنة ٤٩٤ هـ. الأعلام ٤/ ٢٣٢، هدية العارفين ١/ ٦٦٣، وفيات الأعيان ١/ ٣١٨.
(٢) هو محمَّد بن علي بن محمَّد بن حسن بن عبد الملك بن عبد للوهاب، أبو عبد الله الدامغاني، شيخ الحنفية في زمانه، ينعت بقاضي القضاة، ولد بدامغان وتفقَّه بها وبنيسابور ثم قدم بغداد سنة ٤١٨ وولي بها القضاء سنة ٤٤٧ هـ، وطالت أيامه وانتشر ذكره. قال ابن قاضي شهبة: كان مثل القاضي أبي يوسف في أيامه حشمة وجاهاً وسؤدداً وبقي في القضاء نحو ثلاثين سنة.
الأعلام ٦/ ٢٧٦، معجم البلدان ٤/ ٢٧/الوافي ٤/ ١٣٩.
(٣) لم أطلع على هذا الدعاء.
(٤) قال في الأحكام: إذا وقع الوطء، في الحج أفسده لأنه محظور كالأكل في الصوم أو الكلام في الصلاة .. أحكام القرآن للشارح ١/ ١٣٤، وقال القرطبي: أجمع العلماء على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج وعليه الحج من قابل والهدي، تفسير القرطبي ٢/ ٤٠٧.
(٥) سورة البقرة آية ١٩٧.

<<  <   >  >>