للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد (١) ولعل ابن عباس لم يعلم ذلك أو رجع إليه حين علم (٢) به، وله في ذلك كلام غامض متعلق بالسكنى للمعتدة، وذكره البخاري في كتاب التفسير (٣) قد أوضحناه هنالك، فليطلب فيه، وبسَّطنا شيئاً منه في كتاب أحكام القرآن (٤).

[ما جاء في العزل]

لا خلاف بين الأمة في جوازه، وإن كرهه بعضهم، وخصوصاً في الأَمة. فأما الحرة فرأى مالك ألَّا يعزل عنها إلا بإذنها (٥) لأنه يرى أن حقها في الوطء ثابت مدة النكاح. وقال سائر الفقهاء: إذا وطئ الزوج أهله وطية واحدة لم يكن لها أبداً حق في طلب الوطء (٦)، وهذا ضعيف لأنه لو حلف ألا يطأها لضُرب له أجل أربعة أشهر إجماعاً بنص القرآن (٧)، فإذا ترك الوطء مضاراً فقد وجد معنى الإيلاء والأحكام، كما قدَّمنا، إنما ثبت بمعانيها لا بالألفاظ فيها، فوجب أن يكون حقها في طلب الوطء باقياً مدى النكاح، فإذا أذنت في العزل جاز وإن كان فيه قطع بالتولّد والنشاة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيه:"مَا عَلَيْكُمْ ألَّا


(١) قال ابن الحاجب: يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد، وقال به الأئمة الأربعة وبالمتواتر اتفاقاً. مختصر المنتهى ٢/ ١٤٩.
(٢) قال الحافظ: قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار أن الحامل إذا مات زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة، وخالف في ذلك علي فقال: تعتد آخر الأجلين، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد بسند صحيح، وبه قال ابن عباس، كما في هذه القصة، ويقال إنه رجع عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك. فتح الباري ٩/ ٤٧٤.
وقال الباجي: روي عن ابن عباس أنه رجع إلى القول بحديث سبيعة. المنتقى ٤/ ١٣٢.
(٣) البخاري في كتاب التفسير. تفسير سورة الطلاق باب {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، ٦/ ١٢٩ من حديث أبي سلمة.
(٤) انظر الأحكام ١/ ٢٠٨.
(٥) قال مالك: لا يعزل الرجل عن المرأة الحرة إلا بإذنها, ولا بأس أن يعزل عن أمته بغير إذنها. الموطأ ٢/ ٥٩٦.
(٦) قال الحافظ: عن الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير إذنها، قال الغزالي، وغيره: يجوز وهو المصحح عند المتأخرين .. ثم قال: اتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها، وأن الأمةُ يعزل عنها بغير إذنها. فتح الباري ٩/ ٣٠٨.
(٧) قال {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .. سورة البقرة آية ٢٢٦ - ٢٢٧.

<<  <   >  >>