للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الأيمان والنذور]

النذر هو التزام في الذمة (بالفول) (١) لما لا يلزم من القرب بإجماع من الأمة، ويلزم بالنية عند علمائنا خاصة (٢) دون غيرهم من العلماء، والعمدة في ذلك أن الالتزام إنما يكون بالعقد في القلب والقول في النفس. فما يخص به المرء ولا يتعداه إلى غيره يلزمه ذلك فيه، وإنما يحتاج إلى القول أو الكتاب فيما يتعلق بسواه ويدور بينه وبين غيره، وهذا أصل لا تزعزعه الاعتراضات لأنه من أوضح الدلالات، وعليه عوَّل مالك، رضي الله عنه، حين قال فيمن التزم الطلاق بقلبه إنه يلزمه، قال كما يكون مؤمناً بقلبه (٣) وكافراً بقلبه، ومن عداه من أصحابه لم يروِ عنه خلاف هذا؛ فإن ابن القاسم (٤) قد قال من غير خلاف إذا قال الرجل لزوجته أسقني ماء ونوى الطلاق يلزمه، وليس هذا اللفظ بصريح ولا كناية ولا مجاز ولا حقيقة؛ فكأنه يلزمه ما عقد بقلبه ولا يبالي عن لفظه، وبهذا تنتظم الروايات والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أما الكتاب فهو تنبيه جلي قال الله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (٥).

وأما السنة فذلك بنص عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ" (٦) أخرجه البخاري وغيره، وحديث أم سعد المتفق عليه:


(١) في (م) زيادة ليست في بقية النسخ.
(٢) انظر بداية المجتهد ١/ ٤٢٢.
(٣) انظر مقدمات ابن رشد ٢/ ٥٦، وقال ابن عبد البر: من اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه فليس بشيء، هذا هو الأشهر عند مالك، وقد روي عنه انه يلزمه الطلاق اذا نواه بقلبه كما يكفر بقلبه وإن لم ينطق به لسانه، والأول أصحّ في النظر وطريق الأثر لقول النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "تَجَاوزَ الله لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ نُفُوسُهَا مَا لَمْ يَنْطُقْ بِهِ لِسَانٌ أَوْ تَعْمَلْهُ يَدٌ"، الكافي ٢/ ٥٧٧.
(٤) تقدم.
(٥) سورة الإنسان آية ٧.
(٦) الموطأ ٢/ ٤٧٦ والبخاري في الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة ٨/ ١١٩، وشرح السنة ١٠/ ٢١.

<<  <   >  >>