للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحجارة وكله نظافة واستطابة (١).

[وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة]

قال أبو هُرَيرة، رضي الله عنه، قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا في وُضُوئِهِ فَإنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِيَ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" (٢).

ففي هذا الحديث فوائد كثيرة أمهاتها ثلاثة:

أحدها: ما تقدم من أنه روي في بعض ألفاظه: فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا في وُضُوئِه، بلفظ الأمر (٣). وروي: فَلَا يَغْمسْ يَدَهُ في الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثَلَاثَاً (٤).

والأمر على الوجوب عندنا والنهي يقتضي الحظر إلا أنّا قد بينا أنه عقب في آخر الحديث بما رد الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، ورد النهي من الحظر إلى الكراهة وهو قوله: فَإنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ باتَتْ يَدُهُ. فمن علمائِنا من قال: إن هذا شكّ، والشكّ لا يوجب حكماً في الشرع بإجماع (٥). ومن علمائِنا من قال. إنه ظاهر، فإن الغالب من الإنسان أن تجول يده في نومه على جسده ومغابنه (٦) ومنافذه وخاصة من لا يستنجي، والأصلِ في اليد الطهارة. وهذا الغالب والظاهر قد طرأ (٧) عليه فأنشأ ذلك مسألة أصولية، وهي إذاً تعارض أصل وظاهر. وقد اختلف علماؤنا أيهما يقدم وقد بيَّنَّاه في موضعه (٨) لأنه


(١) قال الباجي: قال أبو الحسن: يجوز أن يقال إنه أخذ من الاستجمار بالبخور الذي تطيب به الرائحة وهذا يزيل الرائحة القبيحة. المنتقى: ١/ ٤١.
(٢) متفق عليه: البخاري في كتاب الوضوء، باب الاستجمار وتراً: ١/ ٥٢، ومسلم في كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره المشكوك في نجاستها في الإناء: ٢/ ٣٢٣، والموطأ: ١/ ٢١.
(٣) روية البخاري: فَلْيَغْمِسْ يَدَهُ قبلَ أَنْ يُدْخِلهَا.
(٤) رواية مسلم: فلَا يَغْمِسُ يَدَهُ في الإِنَاءِ حتّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً.
(٥) هذا قول حكاه أبو الوليد ولم يعزه لأحد، المنتقى: ١/ ٤٨.
(٦) والغبن، محرَّكة، الضعف والنسيان وكمنزل الإبط والرفغ، جمعه مغابن.
ترتب القاموس: ٣/ ٣٦٩.
(٧) هذا مذهب العراقيين من المالكية. قال أبو الوليد، ذهب شيوخنا العراقيون، من المالكيين وغيرهم، أن النائم لا يكاد أن يسلم من حك جسده، ومس رفغه وإبطه، وغير ذلك من مواضع عرقه، فاستحب له غسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه على معنى التنظف والتنزه. المنتقى: ١/ ٤٨.
وقال الحافظ قوله "منْ نَوْمِهِ" أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبو عقب كل نوم، وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث "بَاتَتْ يَدُهُ" لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل. فتح الباري: ١/ ٢٦٣.
(٨) انظر المحصول ل ٦٥ - ب، ومختصر ابن اللحام ١٧٠.

<<  <   >  >>