للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عجزَ المكاتب رق. قلنا هذه دعوى زيادة في الحديث (١) وأيضاً فإن عجزها لا يكون إلا عندَ الحاكم، وأما بقوله فلا يسمع لأنه ليس له أن يرق نفسه إذ قد ثبت له حق الحرية وأما إيتاء المال فقال الشافعي وغيره إنه واجب ويحط له من آخر نجومه نجمًا أو جزءاً من أجزاء الكتابة وحمل قول الله تعالى (وآتوهم من مالِ الله) على الوجوب وقال علماؤنا ليس الإيتاء واجباً واحتجوا على ذلك بالأدلة المعروفة وليس الأمر كذلك، بل إيتاء الحق إلى المكاتب واجبٌ بإجماعٍ من الأمةِ إلا أن ربَّنا تعالى قال: {من مال الله} فيحتمل أن يريد به الذي بيد السيد، ويحتمل أن يريدَ به من مالِ الله الذي هو الزكاة، ويحتمل أن يريدَ به من مالِ الله الذي لجماعة المسلمين في بيتهم ويحتمل أن يريد به {من مالِ الله} الذي لجماعة المسلمين في أيديهم فإن عون المكاتب فرض على الكفاية، ومع هذه الاحتمالات لا يصح للشافعي وغيره أن يقول إن الإيتاء واجب من المكاتبة دون سائر المحتَملات (٢) وقد بَسطَنا ذلك في مسائِل الخلاف.

[تفصيل]

لما ثبت أن عقدَ الكتابة لازم من الطرفين موجب للمكاتب عقد الحرية، في رقبته وجوباً يسري إلى الأولاد لم يجز وطء المكاتبة وقال الشافعي يجوز لأنه عتق إلى أجلٍ، فلم يمنع من الوطء كالعتق المؤجل. قلنا: لو كانَ كالعتق المؤجل لسرى إلي الأولاد، فعدم سريانه إلى الولد يدل على أنه ليس بمتمكنٍ في الرقبة، وسريَان الكتابة إلى أولاد المكاتبة دليل على أن عقد الحرية متمكن في رقبتها، فلا يجوز له وطئِها كأم الولد، فإن عقد الحريةِ لما ثبتَ في رقبتها جعلها من سيدها كالأجنبية، إلاَّ في حقِ الوطء الذي كان سبب الحرية، إذ لو حرم لكان من باب إسقاط الشيء لنفسه الذي يثبت به كمسائل الدور كلها، فوجبَ أن


(١) قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي - صلى الله عليه وسلم - لها عن شيء من ذلك نقلاً عن فتح الباري ٥/ ١٩٥.
(٢) نقل الكيا الهراسي عن الشافعي قوله في تفسير قوله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي أتاكم) قال الشافعي ثم أمر من يكاتب بالإيتاء ولا بتصور هذا الإيتاء إلا من جهة حط شيء ولا يمكن حمله على الزكاة فإن السيد لا يجب عليه أن يفرق الزكاة على على عبيده إجماعًا.
ولا شك أن ظاهر اللفظ لا يقتضي الحط لأنه ليس بإيتاء للمال وإنما يدل عليه من حيث المعنى لأن قوله {من مال الله الذي أتاكم} لا بد أن يحمل على ملك متجدد بعد الكتابة وصار مالاً مستحقاً للسيد فمن هذا الوجه حسن إطلاق هذا اللفظ عليه. الأحكام للكيا الهراسي ٤/ ٢٩٣.

<<  <   >  >>