للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثلاث إذا قالها الرجل في كلمة لا يلزم، وقد ضربتُ شرق الأرض وغربها فما رأيتُ ولا سمعتُ أحداً يقول ذلك إلا أن الشيعة الخارجين عن الإِسلام (١) يقولون: في الظاهر لا يصح الطلاق على المرأة حتى يطلقها واحدة ويضع يده على رأسها ويقول للشهود: أُشهدكم أن هذه طالق، في حماقات تجانس عقائدهم الخبيثة.

ما جاء في الخليَّة والبريَّة:

سمَّى الله تعالى النكاح في القرآن باسمين نكاح (٢) وزواج (٣)، واختلف العلماء هل


(١) أقول: أما لزوم طلاق الثلاث بلفظ واحد الخلاف فيه قديم، وقد ذهب الشارح فيه مذهب الجمهور. أما قوله إنه لم يقل به إلا الشيعة فهذا خلاف الواقع، فقد كان الخلاف فيه بين علماء السنة أنفسهم فقد قال به بعض أجلاء الصحابة كابن عباس وعلي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير، وحكاه ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس، كما قال به أئمة كبار كشيخ الإِسلام، ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ولا زال إلى اليوم من علماء السلف من يقول به. قال الشوكاني في شرح الدرر البهية ٢/ ٧١ - : نقل عن أبي موسى وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والناصر والباقر وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى، ورواية عن علي، ورواية عن زيد بن علي، وإليه ذهب ابن تيمية وابن القيم، وحكاه ابن مغيث في كتاب الوثائق عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير، وحكاه أيضاً عن جماعة من مشايخ قرطبة، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس. ويقول الشيح أحمد شاكر: الخلاف في وقوع الطلاق البدعي والطلاق ثلاث مرات جميعاً ثابت من عهد الصحابة فمن بعدهم في كل عصر، وكان الأئمة من آل البيت، رضي الله عنهم، يفتون بعدم الوقوع، ولا يزال هذا مذهب الشيعة كلهم إلى الآن وهو مذهب الظاهرية، إلا أن ابن حزم خالفهم في جواز طلاق الثلاث بلفظ واحد وبألفاظ متعددة إن نوى بها الإنشاء، بل غلا بعض العلماء في القول فذهب إلى أن طلاق الثلاث بلفظ واحد (انت طالق ثلاثاً) طلاق بدعي إذ وصفه بوصف باطل فلا يقع به شيء لا واحدة ولا أكثر، وهو مذهب الحجاج بن أرطاة القاضي الفقيه .. ذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف أنه قال: كان الحجاج بن أرطاة خشناً وكان يقول طلاق الثلاث ليس بشيء (أنظر أحكام القرآن للجصاص ١/ ٣٨٨) وكان العلماء المصلحون المجتهدون في كل عصر يفتون الناس بالقول الصحيح الراجح من بطلان الطلاق البدعي ومن وقوع الثلاث مجتمعة طلقة واحدة؛ فبعضهم يجاهر بفتياه ويصدع بالحق وبعضهم يفتي بحذر خشية العامة حتى قام الإِمام المجدِّد شح الإِسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، الشهير بابن تيمية، فنصر المذهب الحق وأبان للناس عنه ودعاهم إليه لا يخشي في ذلك إلا الله، وتلاه تلميذه النابغة الجريء الإِمام الكبير شمس الدين محمَّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية، فسار على نهجه ونصره في قوله .. وتبعهما على ذلك كثير من العلماء والفقهاء من تلاميذهما وأنصارهما إلى العصر الذي نحن فيه. نظام الطلاق في الإِسلام ص ٨٨ - ٩٠.
(٢) {وأنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُم} سورة النور آية ٣٢.
(٣) {وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا ..} سورة الروم ٢١ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}. النحل آية ٧٢.

<<  <   >  >>