للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طاهر، وأن قوله {لَا يَمَسُّهُ} خبر، وأن الخبر لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره من الله تعالى (١). ولكن ها هنا دقيقة يجب أن يتفطن لها الأريب وذلك أن قوله {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} خبر عن الشرع وما بيَّن فيه، وكذلك قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٢) خبر عن الشرع وما بيَّن فيه، فإن وجدنا محْدِثاً يمس المصحف ووجدنا مطلَّقة لا تلتزم التربص، فلا يكون ذلك من الشرع كما قال (لَا صَلاَةَ إِلّا بِطَهُورٍ) (٣). فلا يريد نفي الوجود لأنا نجد كثيراً ممن يصلّي وهو محدث وإنما معناه لا صلاة إلا بطهور شرعاً، فإن وجدت بغير طهور فلا تكون من الشرع، وهذا نفيس، فإنه يجتمع لك فيه سلامة الحقيقة في ذاتها من خلطها بغيرها وبقاء اللفظ على صيغته العربية التي وضع لها، وصحة التوحيد في تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن الكذب وقرار الشريعة في نصابها بأن لا يشاركها في حكمها ما ليس منها.

[تحزيب القرآن]

اعلموا، نوَّر الله تعالى بصائركم، أن حزب موضوع عند (٤) العرب لجمع المفترق وضم المنتشر؛ فالحزب كل مجموع من مفترق قبله (٥)، وإنما بوَّب مالك (٦)، رضي الله عنه، عليه لنكتة بديعة وهي أن الله تعالى قال لرسوله، - صلى الله عليه وسلم - {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} (٧).


(١) قال الباجي: ذهب مالك إلى تأويل هذه الآية {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} إلى أنه خبر عن اللوح المحفوظ، وذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المراد به المصاحف التي بأيدي الناس وأنه خبر بمعنى النهي, لأن خبر الله تعالى لا يكون خلافه، وقد وجد من يمسه غير طاهر ثبت أن المراد به النهي.
المنتقى شرح الموطّأ ١/ ٣٤٤.
(٢) سورة البقرة آية ٢٢٨.
(٣) مسلم في الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة ١/ ٢٠٤، والبغوي في شرح السنة ١/ ٣٢٩ كلاهما من رواية ابن عمر.
(٤) في (م) في لسان.
(٥) الحِزب، بالكسر، الورد والطائفة والسلاح وجماعة الناس، والأحزاب جمعه وجمع كانوا تألَّبُوا وتظاهروا على حرب النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وجند الرجل وأصحابه الذين على رأيه .. وحازبوا وتحزبوا صاروا أحزاباً وقد حزبتهم تحزيباً، وحزبه الأمر نابه واشتد عليه أو ضغطه. ترتيب القاموس ١/ ٦٣١، وانظر اللسان ١/ ٣٠٨.
(٦) الموطأ ١/ ٢٠٠ فقال: باب ما جاء في تحزيب القرآن.
(٧) سورة القيامة آية ١٦ - ١٧.

<<  <   >  >>