للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخبر تعالى أن جمعه إليه، فوجب أن يوقف بذلك الإخبار عنه إليه حتى جاء قول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، (مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ الْلَّيْلِ) (١) فصار ذلك قدوة في الإذن في إطلاقه، وهذا كما اختلف الناس هل يجوز أن يقال حفظت القرآن لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (٢)، فمن الناس من أذن فيه ومنهم من منعه لهذه الخصيصة (٣)، وكما قال تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} (٤)، كذلك قال (إن علينا قرآنه)، ثم يجوز إجماعاً أن يقول قرأت، كذلك يجوز أن يقول جمعت وحفظت، والمعنى واحد وليس في التحزيب أثر صحيح عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إلا ما قيل لعبد الله بن عمرو وأقرأه في شهر (٥)، ثم انتهى التقسيم بالناس فيه إلى ستين (٦) جزء والأمر في ذلك قريب.


(١) الموطأ ١/ ٢٠٠ قال يَحْيى عَنْ مَالِكٍ بنِ الحُصَيْنِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ عَبْدِ الْرحْمنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قالَ: (مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ الْلَّيْلِ فَقَرَأة حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ اوْ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ) ورواه الإمام أحمد، انظر الفتح الرباني ١٨/ ٢٩.
ومسلم في كتاب المسافرين باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ١/ ٥١٥، وفيه (فَقَرَأةُ فِيمَا بَيْنَ صلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لهُ كَأَنَّمَا قَرَأَةُ مِنَ الْلَّيْلِ).
وأبو داود ٢/ ٧٥ - ٧٦، والترمذي ٢/ ٤٧٤ - ٤٧٥ وقال حسن. والنسائي ٣/ ٢٥٩، وابن ماجه ١/ ٤٢٦ كلهم بلفظ مسلم من طريق عبد الرحمن ابن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب.
أقول: رواية الموطأ قال عنها ابن عبد البر: وهم فيها داود بن الحصين، شيخ مالك, لأن المحفوظ من حديث ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله عن عبد الرحمن القاري عن عمر (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ فَقَرَأةُ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْر وَصَلَاةِ الظُّهُر كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَةُ مِنَ اللَّيْلَ. ومن أصحاب ابن شهاب من رفعه بسنده إلى عمر عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -. وهذا عند العلماء أوْلى بالصواب من رواية داود بن الحصين حين جعله من زوال الشمس إلى صلاة الظهر لأن ذلك وقت ضيِّق قد لا يسع الحزب .. ولأن ابن شهاب اتقن حفظاً وأثبت نقلاً .. الزرقاني ٢/ ٩.
(٢) سورة الحجر آية ٩.
(٣) قال القرطبي: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} مِنْ أن يزاد فيه أو ينقص منه. قال قتادة وثابت البناني: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقص منه حقاً، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً. وقال غيره: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا} فوكَّل حفظه إليهم فبدَّلوا وغيَّروا. تفسير القرطبي ١٠/ ٥.
(٤) سورة القيامة آية ١٧.
(٥) متفق عليه. البخاري في الصوم باب صوم يوم وإفطار يوم ٣/ ٥٢، وفي فضائل القرآن باب في كم يقرأ القرآن ٦/ ٢٤٢، ومسلم في كتاب الصيام باب النهي عن صوم الدهر ٢/ ٨١٢ - ٨١٤. وأبو داود ٢/ ٨٠٩، والنسائي ٤/ ٢١٤.
(٦) كذا في جميع النسخ، ولعلها حزباً.

<<  <   >  >>