للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجارية فعلم من حالها أنها كانت متعلقة بمعبودٍ في الأرض فأراد أن يقطع علاقة قلبها بكل إلهٍ في الأرض (١) فإن قيل: فقد قال لها أينَ الله؟ وأنتم لا تقولون بالأيْنَيَة والمكان. قلنا: أما المكان فلا نقول به وأما السؤال عن الله بأينَ فنقول بها (٢). لأنها سؤال عن المكان وعن المكانة والنبي - صلى الله عليه وسلم - (قد) (٣) أطلقَ اللفظ وقصد به الواجب لله وهو شرف المكانة الذي يسأل عنها بأين ولم يجز أن يريد المكان لأنه محال عليه، وأما قوله للجارية الثانية أتوقنين بالبعث بعدَ الموت؟ فعلِمَ أيضاً من حالِها ما دعاهُ إلى أن يسألها هل تعتقد الدار الآخرة وتوقن أنها المقصودة، وأن هذه الدار الدنيا قنطرة إليها، فإن من علمَ ذلك وبنى عليه صح اعتقاده وسلَمَ عمله.

[مسألة]

أدخلَ مالك رضي الله عنه عتق الزانية وابن الزاني (٤)، وأدخل عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في جواب السائل عن الرقاب أغلاها ثمناً (٥)، ووجه النظر في ذلك أن الكافرَ لا يجزئ بحالٍ والمطيع أفضل من العاصي ولا سيما الزانية والزناة متوعدون بالنارِ، فكان عتق


(١) هذا الحديث من أحاديث الصفات وللعلماء فيها مذهبان مذهب الخلف وهو التأويل ومذهب السلف وهو الأكمل والأسلم وهو الإيمان بها على مراد الله قال أبو عمر بن عبد البر أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقرّ بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة.
ثم نقل عن الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد قولهم لما سئلوا عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف. التمهيد ٧/ ١٤٥ و١٤٩.
(٢) قال الذهبي في هذا الخبر مسألتان إحداهما شرعية قول المسلم أين الله وثانيهما قول المسؤول في السماء فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. العلو للعلي الغفار ص ٢٦.
(٣) زيادة من ج.
(٤) مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه أعتق ولد زنا وأمه. الموطّأ ٢/ ٧٨٠ وسنده صحيح.
(٥) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرقاب أيها أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها) الموطّأ ٢/ ٧٧٩.
قال الزرقاني كذا ليحيى وأبي مصعب ومطرف وابن أبي أويس وروح ابن عبادة وأرسله الأكثر وكذا حدث به إسماعيل بن إسحاق وأبو مصعب مرسلاً وهو عندنا في موطّأ أبي مصعب عن عائشة ورواه أصحاب هشام عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر قال ابن الجارود لا أعلم أحداً قال عن عائشة غير مالك وزعم قوم أنه أرسله لما بلغه أن غيره من أصحاب هشام يخالفونه في إسناده قاله ابن عبد البر، شرح الزرقاني ٤/ ٨٩ وذكر الحافظ أن =

<<  <   >  >>