للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عقدها بالقلب رفقاً منه بالخلق، ويعزى إلى ابن عباس أنه يجوِّز الاستثناء غير متصل (١)، وقد بيَّنا ذلك في أصول الفقه (٢). قال أبو الفضل (٣) المراغي في حكاية طويلة: عوَّلت على الخروج من بغداد، بعد أخذ جملة من العلم، فارتحلت ووقفت عند باب الحلبة عند فاميّ (٤) أبتاع منه زادي، فجعل يقول لجليسه: أي فل (٥)، أما سمعت العالم يقول عن ابن عباس أنه يجوز الاستثناء ولو بعد سنة، لقد فكرت في ذلك منذ سمعته إلى الآن وشغلت به بالي، ولو كان هذا صحيحاً ما قال الله تعالى لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (٦) كان يقول له: قل إن شاء الله وبررت في يمينك. فعجبت ثم قلت في نفسي: بلد هذه عامته لا ينبغي لأحد أن يخرج منه، فتركت الكراء من الجمال وأخذت رحلي وانصرفت.

فضل الكفارة: شرَّع الله تعالى الكَّفارة لمن أغفل الاستثناء مخرجاً عن اليمين وحلاً لما عقد به اليمين من معقود معظَّم إما أن يكون تعظيم من جهة قدرة الكريم كالله وصفته العلية، وإما أن يكون معظَّماً من جهة مشقة الخلاف على الحالف مثل أن يقول: أنت


(١) قال البغوي: قال ابن عباس: له الاستثناء بعد حين، وقال مجاهد: بعد سنين، وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. شرح السنة ١٠/ ٢٠، وقال الرازي: بعد حكاية قول ابن عباس وأبي العالية والأصح أن قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ابتداء كلام. أحكام القرآن للرازي ٤/ ٢٠٨ وقال الباجي: قال شيوخنا: لا يثبت عن ابن عباس فإن ابن عباس من أهل اللسان ولا يخفى عليه أنه ليس من لغة العرب أن يذكر الإنسان لفظاً ثم يظهر الاستثناء منه بعد عام. المنتقى ٣/ ٢٤٦، وقال ابن جرير: السنة له أن يقول ذلك آتياً بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث، لا أن يكون رافعاً لحنث اليمين ومسقطاً للكفارة. وقال ابن كثير: هذا هو الصحيح وهو الأليق بكلام ابن عباس. مختصر ابن كثير ٢/ ٤١٥، وقال الشارح: وأما من قال: واذكر ربك بالاستثناء في اليمين ليرتفع عنك الحرج دون الكفارة فهو تحكم بغير دليل. أحكام القرآن ٣/ ١٢٣٦.
(٢) انظر مبحث التخصيص من كتاب المحصول له ل ٣٣ أ.
(٣) أبو الفضل المراغي، لم أطلع عليه. وقد ذكر الشارح الكلام في الأحكام ص ٦٤٧.
(٤) الفامي، بفتح الفاء وفي آخرها الميم، هذه النسبة إلى الحرفة وهو لمن يبيع الأشياء من الفواكه اليابسة ويقال له البقال أيضاً. الإنساب ١٠/ ١٤٢، اللباب ٢/ ٤١٠.
(٥) قال ابن مالك:
وشاع في سب الذكور فعل ... ولا تقس وجر في الشعر فل.
قال ابن عقيل: بعض الأسماء لا يستعمل إلا فى النداء نحوياً فل أي يا رجل. شرح ابن عقيل، ٢/ ٢٧٧.
(٦) سورة ص آية ٤٤.

<<  <   >  >>