للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الأيمان]

اليمين خبر يقوم بالقلب عن معنى يلتزمه العبد مربوطاً بإقدام أو إحجام يقع عنه التعبير باللفظ فيخبر بلسانه عما ربط بقلبه (١)، والمعوّل على ما يستقر في النفس من ذلك لا ما يجري على اللسان. قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (٢) فأنظمت هاتان الآيتان مسائل الأيمان بجملتها في اليمين على ما قلناه، واللغو ما عداه.

واختلف العلماء فيه فقيل: اللغو قول المرء في ترديد كلامه لا والله وبلى (٣) والله، ولم يرَ مالك، رضي الله عنه، هذا لغواً، والحكمة في ذلك، والله أعلم، أنه قد جعل هذا الذي أوردناه في اللغو تحت قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (٤) الآية ..

وإنما اللغو ما قاله مالك، رضي الله عنه، أن يحلف على الشيء يظنّه على معنى فيخرج على خلافه (٥)، قال لي بعض القرويين من شيوخنا: قال أبو حفص العطّار (٦) يوماً


(١) وقال الحافظ في تعريف اليمين: اليمين في اللغة اليد، وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه، وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء فسمي الحلف بذلك وعرفت شرعاً بأنها توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله .. فتح الباري ١١/ ٥١٦.
(٢) سورة المائدة آية ٨٩، وانظر كلام الشارح في الأحكام ١/ ٦٤٠ عليها.
(٣) هذا من لغو اليمين عند الشافعي. انظر شرح المحلى على منهاج الطالبين ٤/ ٢٧٣، وانظر أحكام القرآن للرازي ٣/ ٢٢٥.
(٤) سورة البقرة آية ٢٢٤.
(٥) أما لغو اليمين عند مالك وأبي حنيفة فهي اليمين على الشيء يظن الرجل أنه على يقين منه فيخرج الشيء على خلاف ما حلف عليه. بداية المجتهد ١/ ٣٢٦، وانظر شرح فتح القدير لابن الهمام ٥/ ٦٣، والإجماع لابن هبيرة ٢/ ٣٢٠.
(٦) هو عمر بن محمَّد التميمي، شُهر بالعطّار، الفقيه الإِمام العالم الصالح، كان على سمت المجتهدين المبرزين. أخذ عن أبي بكر بن عبد الرحمن وغيره، وكان من أقران ابن محرز وأبي إسحاق التونسي ونظرائهم، وانتفع به خلائق، له تعليق على المدوَّنة قيل أملاه سنة ٤٢٧ أو ٤٢٨. مات قبل شيخه. المذكور بالقيروان وقيل بالمنيستير ودفن بها. شجرة النور الزكية ١/ ١٠٧.

<<  <   >  >>