للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سورة آل عمران]

قوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (١) قال ابن وهب قال مالك الراسخ العالم العامل فإذا لم يعمل بعلمه فهو الذي يقال فيه [نعوذ بالله من علم لا ينفع] وقال أشهب سمعت مالكاً يقول الراسخون منه العلم لا يعلمونه والآية التي بعدها أشد منها وهي قوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} قال القاضي ابن العريي وضي الله عنه قد بينا هذه الآية على وجهها (٢) في كتاب المشكلين وبينا اختلاف العلماء قديمًا وحديثاً في المراد منها وذكرنا أن مالكاً قال في جماعة لا يعلمها إلّا الله (٣) وقال آخرون إن الراسخين في العلم يعلمونه (٤) وهو الذي نختاره وأن قوله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} جملة في موضع الحال أو دال على الحال

كقول الشاعر: الريح تبكي شجوه ... والبرق يلمع في غمامه (٥).

وهنا اختيار محمَّد بن إسحاق (٦) وما رأيت من وقف على الآية وفهم معناها قبله غيره


(١) سورة آل عمران آية (٧).
(٢) في ج أوجهها.
(٣) قال ابن جرير حدثنا يونس قال أخبرنا أشهب عن مالك في قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} قال ثم ابتدأ فقال {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وليس يعلمون تأويله الطبري ٦/ ٢٠٣ ومختصر ابن كثير ١/ ٢٦٥ والقرطبي ٤/ ١٦ وساق ابن جرير قبل هذا الأثر عن ابن وهب قوله سمعت عمر بن عبد العزبز يقول {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} انتهي علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا ورجح ابن جرير هذا المذهب.
(٤) هذا مذهب ابن عباس ومجاهد قال ابن كثير وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله وقال مجاهد والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به وكذا قال الربيع بن أنس وقال محمد بن جعفر ابن الزبير وما يعلم تأويله الذين أراد ما أراد إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ثم ردوا تأويل المتشابهات علي ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد فاتِسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً فنفذت الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر. مختصر ابن كثير ١/ ٢٦٥ وانظر ابن جرير ٦/ ٢٠٣ والقرطبي ٤/ ١٨ أضواء البيان ١/ ٣٣١ زاد المسير ١/ ٣٥٤.
(٥) البيت ساقه القرطبي في تفسيره ٤/ ١٧ ولم يعزه وقال فيه هذا البيت يحتمل المعنيين فيجوز أن يكون (البرق) مبتدأ والخبر يلمع على التأويل الأول فيكون مقطوعاً مما قبله ويجوز أن يكون معطوفاً على الريح ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعًا واحتج قائلو هذه المقالة أيضاً بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال ابن عباس أنا ممن يعلم تأويله وقرأ مجاهد هذه الآية وقال أنا ممن يعلم تأويله.
(٦) محمَّد بن إسحاق يظهر لي إنه صاحب السيرة وقد تقدمت ترجمته وهذا الكلام في السيرة لابن هشام ١/ ٥٧٦ - ٥٢٧ والروض الانف ٥/ ١٢.

<<  <   >  >>