للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالتدخين عليه، فأما حرقه أو تغريقه فعذاب لا يحلّ، وقد جمعت هذه الوصية من الصديق، رضي الله عنه، ليزيد ابن (١) أبي سفيان وصايا من المحاسن في الشريعة وجملاً من الأحكام.

عارضة: وعلى ذكر يزيد بن أبي سفيان فإن أبا بكر، رضي الله عنه، اختاره في أمراء الأجناد وبعثه إلى الشام، فلما مات استخلف أخاه معاوية فأقره عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، طول أيامه، ثم ولِّي عثمان، رضي الله عنه، فأمضى ما أقرَّ عمر لم يكن له فيه أثر، ثم زحف المبطلون إلى عثمان، رضي الله عنه، يطلبون منه المحال فكانت نازلة عظيمة في الإِسلام فوجب على الصحابة أن يتشاوروا في هذه النازلة مع خليفتهم فأرسلوا إليه يأخذون رأيه فقال: يتركون، فلم يجز لهم أن يخالفوا رأيه في نفسه فَقُتِلَ عثمان، رضي الله عنه، وتفرق الجمع من هذه البلبلة العظمى وبويم لأحق خلق الله بالِإمامة بعده، وهو علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، فطلب من معاوية عقد البيعة فقال له: أبرز عن نفسك قتلة عثمان فنحن أولياؤه وحينئذ نبايعك، وقال علي: بايع واحضر واطلب حقك تبلغ إليه. ووقف الصحابة على هذا الخلاف، علي يطلب عقد البيعة وجمع الكلمة ويقع التناصف بعد ذلك في الحقوق، ومعاوية في أولياء عثمان يطلبون التبرِّي من قتلة عثمان وحينئذ يعقدون البيعة. وصار من الصحابة في كل طريق فريق وتبارزوا وتقاتلوا ونشأت الحرب واستوفى الله تعالى وعده وأنجز أمره، ولم يكن أحد من الطائفتن في باطل وإنما كان على مرتبة من الحق، وجانب علي عندنا أقوى فيه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الخوارج (يَخْرُجُونَ عَلى حِينٍ فِرْفَةٌ مِنَ النَاسِ يَقْتُلُهُمْ أدنى الطائِفَتَنْ إلى الْحَقِّ) (٢)، فبيَّن عليه السلام أنَّ كل أحد منهم كان يجتذب طرف الحق وعلي كان أدنى إليه. قال لنا أبو علي الحضرمي (٣): قال لنا الأذربي (٤)، قال لنا


(١) يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي, أخو معاوية، صحابي مشهور أمَّره عمر على دمشق سنة تسع عشرة.
مات بالطاعون. ت ٢/ ٣٥٦ وانظر ت عنه ١١/ ٣٣٢.
(٢) مسلم في كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم ٢/ ٧٤٥، وأبو داود ٥/ ٥٠، وأحمد ٣/ ٥، ٢٥، ٣٣ كلهم عن أبي سعيد الخدري.
(٣) أبو علي الحضرمي هو محمَّد بن الحسن محمَّد بن أحمد بن الحسن البرداني، تقدم.
(٤) الأذربي: وقعت بهذا اللفظ في النسخ، والظاهر أنه تحريف وأن الصواب الأزجي. هكذا في اللباب ١/ ٤٥ فقال: الأزجي، بفتح الألف والزاي وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى باب الأزج وهي محلة كبيرة ببغداد كان منها جماعة كبيرة من العلماء والزهَّاد وكلهم إلا ما شاء الله على مذهب أحمد بن حنبل، =

<<  <   >  >>