للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر بالوضوء لمن مسَّ القرآن (١)

قال علماؤنا: لا يجوز للمحْدِث أن يمس المصحف لقول الله تعالى {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} (٢)، فإن قيل هذا خبر والخبر من الله لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره لأنه يكون كذباً وذلك مستحيل في وصفه، فدل على أن المراد به خبر الله تعالى عن الملائكة المقربين (٣) في الصحف التي عندهم. هذا منتهى كلامهم وهو ساقط جداً لأن الخبر لا يجوز أن يكون بمعنى الأمر، كما لا يجوز أن يكون الأمر بمعنى الخبر، كما لا يجوز أن يكون كل واحد منهما بمعنى النهي، ولا يجوز أن يكون النهي بمعناهما لأن الكلام له حقيقة ينفرد بها عن العلم والإرادة، وكذلك أيضاً أقسامه من الأمر والنهي والخبر والاستخبار لها حقائق ينفرد كل واحد منها حقيقة عن صاحبه، ولهذا المعنى الذي فهمه مالك، رضي الله عنه، من أن الخبر لا يجوز أن يقع من الله تعالى كذباً، ومن أن الخبر لا يجوز أن يكون بمعنى الأمر، أو بمعنى النهي، قال، رضي الله عنه: إن هذه الآية، والتي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)} (٤) سواء يريد أنهما راجعتان إلى الملائكة وصحفها (٥)، وهذا بالغ في البيان لمن كان له قلب، بيْد أني أقول في ذلك قولاً حسناً وهو أن المصحف لا يمسه إلا


(١) وضع مالك، تحت هذا العنوان، حديثاً عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن في الكتاب، الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لعمرو بن حزم "أَنَّ لاَ يَمِسَّ الْقُرْآنَ إِلَأ طَاهِرٌ" الموطأ ١/ ١٩٩. قال ابن عبد البر: لا خلاف في إرسال هذا الحديث، وقد روي من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف عند أهل العلم معرفة يُستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول، ولا يصح عليهم تلقي ما لا يصحّ. الزرقاني ٢/ ٧ ورواه البيهقي من طريق معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: كان في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا على طهر، ورواه بإسناد آخر من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد عن أبيه عن جده موصولاً بزيادات كثيرة في الزكاة والديّات وغير ذلك ونقص عما ذكرنا. السنن الكبرى ١/ ٨٧ - ٨٨، ورواه البغوي من طريق أبي مصعب عن مالك. شرح السنة ٢/ ٤٧. وهو حديث صحيح ساق له الزيلعي في نصب الراية طرقاً وشواهد يتقوى بها ويصح. نصب الراية ١/ ١٩٦ - ١٩٩.
درجة الحديث: صحيح.
(٢) سورة الواقعة آية ٧٩.
(٣) في (م) المطهرين.
(٤) يريد بها قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣)} آية ١١ - ١٣.
(٥) الموطأ ١/ ١٩٩ قال مالك أحسن ما سمعت في هذه الآية {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى: قول الله تارك وتعالى {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)} [عبس/ ١١ - ١٦].

<<  <   >  >>