للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الوجوب قال علماؤنا، كذلك نقُول إن لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب أو يدل على سقوط الوجوب دليل وهاهنا قرينة وهيَ قوله تعالى: (إن علمتم فيهم خيرًا)، فصرفَ الأمر إلى علم المأمور والتكاليف الجازمة، والأوامر الواجبة لا تقف على خيرية المكلف وعلمه. وأما الدليل الذي دل على سقوط الوجوب فيها، فهو أنَّ العتقَ وهو الأصل لا يجب فضلاً عن الفرع وهي الكتابة ولذلك قال علماؤنا إنها رخصة مستثناة من جميع المعاملات، لأن السيدَ يبيع فيها ماله بمالِه، ولا يصح أن يجبرَ العبدُ عليها وإنما تكون برضاه، فإذا عقدها مع سيدهِ لزمته عند جمهور العلماء، وقال الشافعيُّ يجوز له أن يتركها متى شاء وقال معه جماعة من المتقدمين، واحتجوا على ذلك بما روي أن بريرة جاءت عائشة تقول لها: إنّي أريد أن تشتريني وتعتقيني. فقالت لها إن أراد أهلك ذلك. فجاءت أهلها فباعوها. خرجه البخاري (١). قلنا لم يبع أهل بريرة رقبة بريرة وإنما باعوا كتاباتها، ولأجل ذلك قالت عائشة في الحديث إن أحبَ أهلكِ أن أعدها لهم عدةً واحدةً فعلت (٢) فهذا الذي يقتضيه حديث بريرة وإن كان العلماء قد اختلفوا في جوازِ بيع الكتابةِ. وكرهه الشافعي وابن الماجشون وربيعة (٣) وحديث عائشة نص في جوازه. فإن قيلَ بريرة كانت قد عجزتْ، وإذا


= وإذا قال العبد كاتبني وقال السيد لم أعلم فيك خيرًا وهو أمر باطن فيرجع فيه إليه ويعول عليه وهذا قوي فهي بابه القرطبي ١٢/ ٢٤٥.
(١) أخرجه البخاري في كتاب العتق باب إذا قال المكاتب اشترني واعتقني ٣/ ٢٠٠ من حديث عبد الواحد بن أيمن قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت كنت لعتبة ابن أبي لهب ومات وورثني بنوه وإنهم باعوني من ابن أبي عمرو فأعتقني ابن أبي عمرو واشترط بنو عتبة الولاء فقالت دخلت بربرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني واعتقيني قالت نعم قالت لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي فقالت لا حاجة لي بذلك فسمع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بلغه فذكر لعائشة فذكرت عائشة ما قالت لها فقال اشتريها واعتقيها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا فاشترتها عائشة فأعتقتها واشترط أهلها الولاء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الولاء لمن أعتق وإن شرطوا مائة شرط.
(٢) البخاري في كتاب العتق باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ٣/ ١٩٩.
(٣) قال النووي حديث (إنما الولاء لمن أعتق) حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب أحدها أنها كانت مكاتبة وباعها الموالي واشترتها عائشة وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بيعها فاحتج به طائفة من العلماء في أنه يجوز بيع المكاتب وممن جوزه عطاء والنخعي وأحمد ومالك في رواية عنه.
وقال ابن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية ومالك في رواية عنه لا يجوز بيعه وقال بعض العلماء يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة بأنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة والله أعلم. شرح النووي على مسلم ١٠/ ١٣٩.

<<  <   >  >>