للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليمين. قال المخالف: وكل محل حلّ وطؤه بملك اليمين حل وطؤه بالنكاح (١). وهذا لا غبار عليه، ءغير أن (م) و (ش) عوّلا على قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٢)، وقال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} (٣) الآية.

فاحتج مالك، رضي الله عنه، بتخصيص الله تعالى في الإذن في النكاح الفتيات المؤمنات دون مطلق النساء وهذا نص منه على التعلُّق بالتخصيص والقول بدليل الخطاب (٤)، ولم يختلف قط في ذلك قوله وإنما يترك دليل الخطاب إذا عارضه ما هو أقوى منه، وقد قال مالك، رضي الله عنه، إذا عارض العموم لدليل الخطاب قدِّم العموم عليه لأن العموم يتناول المسألة بلفظه ودليل الخطاب يتناولها بمعناه واللفظ يقدم على المعنى، وقد بيَّنا ذلك في أصول الفقه، وقال ابن عمر: لا يجوز نكاح الحرة الكتابية لأن الله تعالى قال {وَلَا تَنْكِحُوا اْلمُشْرِكَاتِ حَتى يُؤْمِن} (٥)، وأي شرك أعظم من أن يقال أن عيسى ولد الله فرأى أنها داخلة في عموم الآية، والتخصيص أولى في قوله {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٦)، وأن الآيتين لو كانتا عامتين لكان لابن عمر (٧) أن يرجع التحريم بتعارض العامين وتوازنهما (٨)، فأما إذا اجتمع العام والخاص فإن الخاص يقدم


(١) هذا القائل هو الجصاص الحنفي، فقد قال: وكل من جاز وطؤها بملك اليمين جاز وطؤها بملك النكاح. أحكام القرآن للجصاص ٢/ ١٦٥.
(٢) سورة المائدة آية ٥.
(٣) سورة النساء الآية ٢٥.
(٤) قال مالك: إنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية. الموطّأ ٢/ ٥٤٠.
(٥) سورة البقرة ٢٢١.
(٦) سورة المائدة ٥.
(٧) هذا الأثر رواه البخاري في كتاب الطلاق باب قول الله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}، وقال: حدَّثَنَا قَتيبَةُ حَدَّثنا لَيْث عَنْ نَافِعٍ أنْ ابنَ عُمَرَ كَان إذَا سُئلَ عَنْ نِكَاح النصْرَانِيةِ ؤالْيَهوديةِ قالَ: إن الله حَرَّمَ الْمشْرِكات علَى الْمؤْمِنين وَلَا أعْلَم مِنَ الإشْرَاكِ شيْئاً أكبر مِنْ أنْ تَقولَ المرْأةُ رَبَّهَا عيسَى وَهوَ عَبدُ بنْ عِبَاد الله. البخاري ٧/ ٦٢، وابن أبي شيبة في مصنفه ٤/ ١٥٨.
(٨) قال الحافظ: هذا مصير منه (أي من ابن عمر) إلى استمرار حكم عموم آية البقرة، فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة وبه جزم إبراهيم الحربي، وردَّه النحاس فتحمله على التورع ... وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خصّ بآية المائدة وهي قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} =

<<  <   >  >>