للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانَ قويًا وارداً عن العدل بالعدلِ ما جازَ نسخ القرآن به لأنه خبر واحدٍ ونسخ القرآن لا يجوز بخبر الواحد بإجماع من الأمة وأما إن كانت الأمة أجمعت على معناه فالنسخ بالإجماع محال, لأنه لا يصح تصوره إلا بعد عدم الشريعةِ الواردةِ ببيَان الأحكام على التنصيص في المقالِ خاصة. فإن قيل إجماع الأمة لا يكون إلَّا عن حَديثٍ يسمعونَه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أجمعوا علمنا ضرورةَ وجُودِ الأثر. قلنا: هذا مذهب محمَّد ابن جرير الطبري وهو ساقط قطعاً (١) فإن الأمة قد تجتمع على النظرِ كما تجتمع على الأثر، وقد بينا ذلك في أصول الفقهِ، ومنهم من قال إنما سقطت الوصية للوالدين والأقربين لقولهِ في الحديث الصحيح (ألحقوا الفرائض بأهلِها، فما أبقت الفرائِض فهو لأولي عصبةٍ ذكرٍ) (٢) قلنا كما لم يسقط هذا الحديث أصل الوصية في آية المواريث، لا يسقط وصف الوصية للأقربين وإنما معنى هذا الحديث الخصوص، فما بقي بعد الوصية والدين كيفما تصرفت وجوه الوصيةِ، وكيفما تصرفت وجوه الدين، وقد روى جابر بن عبد الله أنه قال جاءني رسِولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني، فقلت: يا رسول الله كيف أصنعُ في مالي؟ فأنزل الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. رواه البخاري (٣)، وثبت في الصحيح أيضاً من طريقٍ أخرى وأنها نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (٤)، وروى المصنفون والمسندون عن جابرٍ بن عبد الله أنه خرجَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأسواق (٥) وذكرَ حديثاً طويلًا منه أن امرأة سعد بن الربيع جاءته بابنتين لها فقالت: يا رسول الله، إن سعداً هلك وتركَ هاتين وان عمهُما


(١) ذكر الشوكاني خلاف محمَّد بن جرير في المسألة في إرشاد الفحول ص ٧٩ ط مصطفى البابي الحلبي وانظر الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ١/ ٢٣٩.
(٢) متفق عليه أخرجه البخاري في الفرائض باب ميراث الولد من أبيه وأمه ٨/ ١٨٧ ومسلم في كتاب الفرائض باب ألحقوا الفرائض بأهلها من حديث ابن عباس.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب التفسير في سورة النساء باب {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ٦/ ٥٤ ومسلم في الفرائض باب ميراث الكلالة (١٦١٦/ ٦) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعقل فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش علي فأفقت فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} لفظ البخاري.
(٤) مسلم في كتاب الفرائض باب ميراث الكلالة (١٦١٦/ ٦) من حديث جابر بن عبد الله وفيه فقلت يا رسول الله كيف أقضي في مالي فلم يرد علي شيئًا حتى نزلت آية الميراث {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} النساء آية (١٧٦).
(٥) الأسواق موضع بالمدينة كان يومئذ معروفاً. جامع الأصول ٩/ ٨٤.

<<  <   >  >>