للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أمر لا يعلم إلَّا بالخبر وخفي ذلك على الملحدة والغافلين من الخليقة فأما الملحدة فقالوا إنما يصرخ لاختلاف الهواء عليه كما يبكي من انتقل من حال إلى حال ويتألم من الكبار وتعاطى في ذلك بعض الشعراء من المتأخرين وهو لا يعلم فقال:

لما توذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد (١)

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (لو أن أحدكم إذا أتي أهله قال اللهم (٢) جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا وقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا) قال علماؤنا معناه لم يضره بالطعنة خاصة وإلا فضرر الشيطان بالذنوب لا يعصم منها عاصم.

قوله: {يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} (٣) قال ابن القاسم سمعت مالكاً يقول "ما من أحد يلقى الله إلَا بذنب ما عدا يحيى بن زكريا" (٤)، قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه هذا الذي قاله مالك ورد في الأثر ولم يصح سنده عندنا ولا شك إلَّا أنه قد صح عند مالك ولأجل صحته نطق به والأنبياء صلوات الله عليهم عندي معصومون من الذنوب بعد النبوة حسب ما بينته في كتب الأصول (٥) وممن يلقى الله بغير ذنب عيسى ابن مريم فقد روي في حديث الشفاعة (إن كل نبي يطلب منه الناس الشفاعة يذكر لنفسه خطيئة ما عدا عيسى بن مريم


(١) لم أطلع على قائل البيتين.
(٢) متفق عليه أخرجه البخاري في الدعوات باب ما يقول إذا أتي أهله ٨/ ١٠٢ ومسلم في النكاح باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع (١٤٣٤) وأحمد رقم (١٨٦٧) وأبو داود (٢١٦١) والترمذي (١٠٩٢) وابن ماجه (١٩١٩) من حديث ابن عباس.
(٣) سورة آل عمران آية (٣٩).
(٤) روى ابن جرير من طريق سعيد بن المسب قال: قال ابن العاص إما عبد الله وإما أبوه: "ما أحد يلقى الله إلَّا وهو ذو ذنب إلا يحيى بن زكريا" قال وقال سعيد بن المسيب "وسيدًا وحصورًا الذي لا يغشى النساء ولم يكن معه إلا مثل هدبة الثوب" ابن جرير ٦/ ٣٧٨ وذكر الطبري قبل هذا عن سعيد بن المسب قال حدثني إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلَّا ما كان من يحيى بن زكريا ..) فذكره مطولاً مرفوعاً ثم رواه هنا عن ابن المسيب عن ابن العاص مع الشك في أنه عبد الله بن عمرو أو أبوه موقوفًا وقد ذكره ابن كثير ٢/ ١٣٥ من رواية ابن أبي حاتم بهذا الشك ولكنه مرفوع ثم ذكره ص ١٣٥ - ١٣٦ من رواية ابن أبي حاتم أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفًا ووصف المرفوع بأنه غريب جدًا ثم قال بعد الموقوف فهذا أصح اسنادًا من المرفوع وكذا ذكر السيوطي في الدر ٢/ ٢٢ المرفوع والموقوف وقال وهو أقوى إسنادًا من المرفوع.
(٥) انظر كتاب المحصول في علم الأصول تحقيق عبد اللطف أحمد الحمد ص ٤٦٠.

<<  <   >  >>