للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجل إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له إني قتلت فقال له عبد الله بن عمر "أكثر من شرب الماء البارد" قال مالك يريد أنه من أهل النار. قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه وهذه مسألة من كبار المسائل اختلف الناس فيها قديمًا وحديثًا وتعلق أهل الاحباط بها لا سيما باضطراب آراء الصحابة فيها فكان ابن عباس يقول تارة إن القاتل لا توبة له ويقول أخرى له توبة ويقول ثالثة إن كان لم يقتل ليس لك توبة وإن كان قتل يقول لك توبة، وقد بينا في كتاب المشكلين أن توبته مقبولة وأن ذنبه داخل تحت المغفرة ومعصيته أهك للكفارة وأعظم آية فيه قوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} وهذه الآية ليست من المتشابه بل هي من المحكم كما بيناه في موضعه لبابه أنه قال {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} وبقي استيفاء الجزاء ليس له في الآية ذكر وجهل بعض الناس فقال معناه إن جازيناه (١) وليس يفتقر هذا الكلام إلى هذا الاضمار فلا معنى لذكره وسائر آيات القرآن على عمومها كآية الزمر (٢) وخصوصها كآية الفرقان (٣) تقتضي كلها قبول التوبة وجواز المغفرة للقاتل وخصوصاً الحديث الصحيح (إن رجلاً كان فيمن كان قبلكم قتل تسعة وتسعين نفساً فجاء إلى بعضهم فسأله هل لي من توبة فقال لا توبة لك فقتله ثم جاء آخر فسأله هل لي من توبة قال لا توبة لك فقتله ثم جاء آخر فسأله فقال ومن يسد عنك باب التوبة ولكن إيتِ الأرض المقدسة فمشى إليها فأدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فمع اختلافهم أمرهم الله سبحانه أن يقيسوا ما بين الأرض التي خرج منها والتي يقصد فإلى أيها كان أقرب قبض روحه عليه فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض المقدسة بشبر) (٤).

وفي رواية (فوجدوه لما أدركه الموت قد نأى بصدره (٥) فقبضته ملائكة الرحمة) فإن قيل فما وجه اختلاف ابن عباس فيمن قتل أو لم يقتل وهل كان يقول لمن لم يقتل لا توبة لك تخويفاً بما لا يعتَقده حقًا وذلك لا يجوز أم كان يعتقده وذلك لا معنى له. قلنا لم يكن


(١) هذا القول عزاه ابن كثير إلى أبي هريرة وجماعة من السلف قالوا هذا جزاؤه إن جازاه وكذا كل وعيد على ذنب ثم قال لكن قد يكون كذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه على قول أهل الموازنة والاحباط وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد والله أعلم. مختصر ابن كثير ١/ ٤٢٣.
(٢) {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} آية (٥٣).
(٣) سورة الفرقان آية (٧٠) {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}.
(٤) البخاري مع الفتح ٦/ ٥١٢ ومسلم في كتاب التوبة باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله حديث (٤٦ و٤٧) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٥) رواية مسلم قال قتادة فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصره.

<<  <   >  >>