للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملَائِكَةَ تَتَأذَّى بمَا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ"، وذلك يدل على أنهم مركبون من ريش وجسم لا كما تقوله الفلاسفة أنهم بسائط وتقول (١) إنهم يكبرون حتى يملأ أحدهم الأفق، ويصغرون حتى يصير أحدهم كالريضيع، ولذنك قال النبيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، لصاحبه: "كُلْ مِنَ القِدْرِ الَّذِي فِيهَا الخضْرَوَاتِ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي" (٢)، إشارة إلى أن الملك يأتيه من غير وعد فربما وجده على تلك الحال.

وفي الآثار المرسلة "أَنَّ الرَّجُلَ يِكْذُبُ الكِذْبَةَ فَتُبَاعِدُ عَنْهُ المَلَكَ منْ نَتْنِ رِيحِهِ" (٣)، وذلك كثير في الشريعة. والعلة الثالثة قوله: فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا وَمَسْجِدَنا، فذكر الصفة في الحكم وهي المسجدية، وذكر الصفة في الحكم تعليل لأن الأسماء التي علّقت عليها الأحكام على قسمين: أحدهما مشتق والآخر جامد. فإذا علق الحكم على اسم مشتق أفاد الحكم والعله كقوله أكرم العالم ومعناه لعلمه.

وإذا كان الاسم جامداً لم يفد إلَّا ما قيَّدته الإِشارة وهو بيان المحل كقوله أكرم زيداً. وعلى القسم الأول جاء قوله سهى فسجد وزنا فرجم وقتل فقتل (٤) وهذا يدل على مسألة حسنة من أصول الفقه وهي تعلُّق الحكم الشرعي بعلل كثيرة كامتناع من وطئ الحائض المحرمة الصائمة بخلاف العلل العقلية فإن الحكم لا يتعلق منها إلا بواحدة.


(١) ليست في بقية النسخ.
(٢) مسلم في كتاب المساجد باب نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كرّاثاً أو نحوها ١/ ٣٩٥ من حديث جابر بن عبد الله.
(٣) رواه التَّرْمذي بلفظ: إذاَ كذبَ العَبْدُ تَبَاعَدَ عنهُ المَلَكُ مِيلاً مِنْ نَتَنِ مَا جَاء بِهِ. قال التِّرمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه تفرد به بن عبد الرحيم بن هارون، سنن التِّرمذي ٤/ ٣٤٨.
وعزاه الزُبَيْدي في شرح إحياء علوم الدين لابن أبي الدنيا في الصمت.
إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ٧/ ٥١٥، وأبو نعيم في الحلية وقال: غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر تفرد به عبد الرحيم بن هارون الغساني. الحلية ٨/ ١٩٧.
وعبد الرحيم هذا قال فيه الحافظ عبد الرحيم بن هارون الغساني أبو هشام الواسطي نزيل بغداد ضعيف، كذبه الدارقطني من التاسعة مات بعد ٢٠٠ هـ ت ١/ ٥٠٥ وقال في ت ت قال أبو حاتم مجهولاً لا أعرفه وروى له ابن عدي أحاديث منها عن ابن أبي روّاد عن نافع عن ابن عمر الحديث وساق فيه كلام الدارقطني ت ت ٦/ ٣٠٨، الكاشف ٢/ ١٩٤، والكامل ٥/ ١٩٢١ - ١٩٢٢.
درجة الحديث: ضعيف.
(٤) انظر في هذا المبحث روضه الناظر لابن قدامة ١٥٧، شرح التنقيح ص ٣٩٠، إرشاد الفحول ص ٢١١.

<<  <   >  >>