للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} (١) الآية. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنما أحلت لي ساعة من نهارٍ ثم عادت حرمتها اليوم كما كانت حرمتها بالأمس)، ومنها تحريمها ببركة إبراهيم ودعوته حين قال {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} (٢). وكذلك حرّمَ الله المدينة على لسان رسولهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال عليهِ السلاَم: (اللهم إنَّ إبراهيمَ عبدك وخليلك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثلِ ما دعاك به إبراهيم لمكة) ومثله معه (٣)، (اللهم إن ابراهيمَ حرَّم مكة وإني أحرّم ما بين لآبتيها) (٤). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما عندنا إلَّا كتاب ربنا وكذا فذكر صحيفةً منوطةً بقرابِ سيفه وفيها المدينة حَرامٌ ما بين عَير إلى كذا (٥). فإن قيل: فإذا كانت حراماً كحرمة مكة فهَل فيها جزاء كجزاء مكة. فلنا عن ذلك جوابان. أحدهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا لها كما دعى إبراهيم وقد أجيبت دعوته قطعًا وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنها حرامٌ وخبره صادقٌ. والجواب الثاني وذلك إنه قد يكون الذنب والحرمة أعظم من أن يكونَ فيه كفارة، وأن تكون العقوبة مؤخرة عنه إلى الآخرة، أما إنه قد روي في الحديث الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنه جعل جزاء من انتهك حرمة المدينة سلب ثيابه (٦) من طريق سعد بن أبي وقاص وبوجوب الجزاء في حرم المدينة، قال ابن أبي ذئب (٧) وإحدى الروايتين عن مالك من طريق


(١) سورة العنكبوت آية (٦٧).
(٢) سورة البقرة آية (١٢٦).
(٣) رواه مالك في الموطأ ٢/ ٨٨٥ ومسلم في الحج باب فضل المدينة رقم (١٣٧٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب أحد جبل يحبنا ونحبه ٥/ ١٣٢ ومسلم في الحج باب فضل المدينة رقم (١٣٦٥) والموطأ ٢/ ٨٨٩ وشرح السنة ٧/ ٣١٥ من حديث أنس.
(٥) متفق عليه أخرجه البخاري في الجهاد باب إثم من عاهد ثم غدر ٤/ ١٢٤ من حديث إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال ما كتبنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا القرآن وما في هذه الصحيفة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (المدينة حرام ما بين عبر إلى كذا فمن أحدث حدثاً أو أوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ...) ورواه مسلم في الحج باب فضل المدينة رقم (١٣٧٠) وشرح السنة ٧/ ٣٠٧.
(٦) روى مسلم في صحيحه في باب فضل المدينة من حديث عامر بن سعد أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرًا ويخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى أن يرده عليهم. مسلم (١٣٦٤) ورواه أحمد في المسند ١/ ١٦٨ والبغوي في شرح السنة ٧/ ٣١٠.
(٧) قال البغوي كان ابن أبي ذئب يرى الجزاء على من قتل شيئًا من صيد المدينة أو قطع شيئاً من شجرها، مستدلاً بالحديث السابق شرح السنة ٧/ ٣٠٩ وقال النووي في هذا الحديث دلالة لقول الشافعي القديم أن من صاد في حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة قال القاضي عياض ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلَّا الشافعي في قوله القديم وخالفه أئمة الأمصار قلت ولا تضر مخالفتهم =

<<  <   >  >>