كان أول اتصالي بهذا الأثر الأندلسي النفيس عندما كنت في تركيا سنة ١٩٧٨ م أبحث في مكتباتها الثرية عما يتعلق برسالتي التي كنت أعدها لنيل شهادة التخصص الأول الماجستير- في الحديث، وموضوعها أبو أيوب الأنصاري ومروياته في مسند الإِمام أحمد، عثرت عليه هناك. وعندما تصفحته وقرأت بعض مسائله استهواني أسلوبه وحسن عرضه للمسائل، وحاولت تصويره فلم يتأتَّ لي ذلك للصعوبات القائمة إزاء التصوير بتركيا في ذلك العهد، فأرجأت تصويره وعزمت على جعله موضوع أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه. ولما يسَّر الله لي الحصول على درجة الماجستير عرضت فكرة تحقيق كتاب القبس على أستاذي الكبير العلّامة السيد أحمد صقر، الذي قبل مشكوراً الإِشراف علي عملي، فوافق عليها ورأى هذا الكتاب جديراً بالتحقيق، وقد أخذته، في البداية، كاملاً تم اقتصرت، فيما بعد، على نصفه لظروف حلَّت بي جعلتني لا أستطيع إنهاءه في المدة النظامية، وقد وافق مجلس القسم مشكوراً على طلبي وهو الاقتصار على نصف الكتاب ورأوا أنه يغطي رسالة دكتوراه.
ويرجع أهم الدواعي لاختياري لهذا الموضوع للنقاط التالية:
١ - أهمية هذا الأثر الأندلسي الجليل الذي يُعدُّ من عيون المؤلفات التي صنَّفها أعلام المالكية.
٢ - اشتماله على الكثير من الأحكام التي استنبطها مؤلفه.
٣ - ما فيه من تعمّق في الشرح والبيان والتفصيل للمسائل.
٤ - ما امتاز به من حسن الترتيب وبراعة التقسيم.
٥ - غزارة الفوائد التي اشتمل عليها من فنون مختلفة كالحديث والفقه واللغة والأصول.
٦ - إبرازه المسائل واتخاذ العناوين المختلفة لها.
٧ - قيمة المؤلف، أبي بكر بن العربي، الذي كان من ألمع رجال المذهب المالكي بالأندلس، وقد اكتمل نبوغه بعد رحلته المشرقية، التي قام بها في سن مبكرة، واتصل فيها بأشهر العلماء المحاصرين له واحتك بهم احتكاكًا علميًا واستفاد منهم، وكانوا يمثَّلون مختلف المذاهب الإِسلامية من حنفية وشافعية وحنبلية ومالكية.