للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغايةُ من الكشفة ولكنه ينبغي أن يتنزَّل المرء في هذه المنازل ويأخذها أولًا فأولًا على هذا الترتيب حتى يحكم الله تعالى بإيقافه حيث شاء منها وأما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه إلى أبي الهيثم وخبزَ لهم وذَبح واستَعذب فبلغوا ما أرادوا من ذلك، قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (لتسئلن عن نعيم هذا اليوم) إشارةً إلى أنهم لو وجدوا كسرةً تقيم الصلب، وتحفظ القوة لكان في ذلك كفايةً ونعمةً، وكيف وقد وجدوا الأثافىّ الثلاثة التي يقوم بها قدر اللذة وهي الخبز واللحم والماء البارد، وقد اختلفوا في ضبطِ قوله لتُسئلنَّ هل هو بالتاءِ على معنى خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للقومِ أو بالنون على معنى الإخبار عنه وعنهم والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك مسؤول ولكن مضمون عنه صحة ما يقول وسائر الخلق يتفاوتون في المرتبة فأقواهم حجة أعظمهم سلامة وخصوصًا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, ولأجل هذا طرح لعمر ضاع من تمر فأكله لحاجته إليه ولو فَقده لصبر عنه (١)، فقد صبر ما لم يقدر أحد عليه وذلك أنه لم يأتدم طول ما أجدب الناس حتى أخصبوا (٢). حديث أبي هريرة، رضي الله عنه في الأضياف والغنم لما نزل الأضياف بأبي هريرة رضي الله عنه أرسل إلى أمه في أن ترسل إليه (٣) شيئاً وهكذا سُنّة الضيف المقدّم إليه نزل يتشاغل به حتى ينظر فيما يُصلح له وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نزل أهل الجنَّة الذي يقدم إليهم أول دخولهم حتى يستوفوا سائر نعيمهم (ثورٌ وحشي وحوت مشوي يأكل من زيادة كبدها سبعون ألفًا) (٤) وليس ذلك عن حاجةٍ وإنما هو مثال تجري عليه


(١) مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك إنه قال: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفها، الموطأ ٢/ ٩٣٣ وهذا الأثر صحيح إلى عمر.
(٢) قال الحافظ بن حجر في الإصابة ٤/ ٢٧٩ في ترجمة عمر روى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند جيد إلي زر بن حبيش قال رأيت عمر أعسر أصلع آدم قد فرع الناس كأنه على دابة قال فذكرت هذه القصة لولد عمر فقال: سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمركان أبيض فلما كان عام الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه وكان قد احمر فشحب لونه.
(٣) مالك عن محمَّد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال كنت جالسًا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب فنزلوا عنده قال حميد فقال أبو هريرة إذهب إلى أمي فقل إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئاً قال: فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة وشيئًا من زيت وملح ثم وضعتها على رأسي وحملتها إليهم فلما وضعتها بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال: الحمد الله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر فلم يصب القوم من الطعام شيئًا ... الموطأ ٢/ ٩٣٣.
(٤) روى مسلم من حديث وثوبان قال: كنت قائمًا عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عيك يا محمَّد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الدي سماه به أهله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن اسمي محمَّد الذي سماني به أهلي، فقال =

<<  <   >  >>