للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (١) ومن الحق المؤكد والغرض اللازم في كل ساعةٍ المتجدد لكل أحدٍ أن يعرف حقيقتها ومحلها، فأما حقيقتها فهي فعلى من وقى يقي وقاية ووقوى أبدلت الواو ياءً كما فعلوا في كثير والتقى التي ترجم بها مالك رضي الله عنه هي جمع تقاة وهو حجاب يجعله العبد بينه وبين الذنب من العزم. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (٢) أي لم يجعل بينه وبين المعصية وقاية في الاحتراز من عدوٍ كان حذر منه، وأما محلها فالعين والأذن واللسان والقلب وأحوج ما يكون إليها الإِمام، ولذلك أشار مالك رضي الله عنه إلى الجميع بالترجمة ثم اقتصَر فيما جلب تحتها على قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لتتقين الله أو ليعذبنك الله" (٣) فأما العين فهي الرائد وهو المرئّية، فإذا اطلعت أرسلت إلى القلب ما حصل عندها من علم وتحصّل عندها ما يجوز وما لا يجوز وفي القلب لكل شيء وجد على ما يأتي تفسيره، فإذا كفّت عما لا يجوز ولم ترسل إلى القلب إلا الخير استراح من تعبها وتخلص من شغبها, ولقد أحسَن في ذلك القائل حيث قال:

وأنت إذا أرسلت طرفك رائدًا ... لقلبك يومًا أسلمتك المناظرُ

رأيت الذي لا كلّه أنت قادرُ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ (٤)

وهذا وإن كان أخذ طرفًا من المعنى، فإن الفقيه عطاء شيخ الشافعية بالمسجد الأقصى فقهًا وعلمًا وشيخ الصوفية طريقةً استوفى لنا هذا المعنى فيما أنشدنا:

إذا لمتُ عيني اللتين أضرّتا ... بجسمي وقلبي قالتا لي لُمْ القلْبَا

فإن لمتُ قلى قال عيناك جرَّتا ... إليّ الرؤيا ثم لي تجعل الذنبا

وهذا من الحق الذي استوفاه الشاعر وجلاه في أبدع وصف من النظم الذي بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن الله كتبَ على ابن آدم حظه من


(١) سورة آل عمران آية (١٣٣).
(٢) سورة طه آية (١١٥).
(٣) مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطّاب وخرجت معه حتى دخل حائطًا فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: (عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين, بَخ بَخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك) الموطأ ٢/ ٩٩٢.
(٤) البيتان لجارية من أهل المدينة انظر عيون الأخبار ٤/ ٢٢ ط دار الكتاب العربي وانظر أيضًا الأغاني ١٦/ ١٢٥ ط بلاق ويوجد اختلاف في بعض الكلمات.

<<  <   >  >>