للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غلقٌ من التقوى وحجابٌ من العصمةِ أمهاتها باب الشرك حجابها التوحيد، فإن عرض لك فيه الشيطان بشبهة، فدواؤه الأدلة وهي حجابٌ وذلك أمر مستمرّ ممكن، فإن عرض لك بداء الوسواس فدواؤه الاستعاذة، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا: (لا يزال الشيطان يقول من خلقَ كذا؟ ومن خلق كذا؟، فيقال: الله، حتى يقول من خلق الله؟! فإذا وجد أحدكم ذلك، فليقل: لا إله إلا الله) (١) فأمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بجواب إبليس في كل سؤال لأنه سؤال صحيح، فلما سُئل عمّا لا يسأل وذكر ما لا يعقل أمر بالإعراض عنه والرجوع للتوحيد، وهذا كما جرى لأهل النار فإنهم قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، قيل لهمُ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (٢) ثم استغاثوا فقيل لهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} فقيل لهم {اخْسَئُوا فِيهَا ...} (٣) الآية. فلم يستحقوا جوابًا لأنهم سألوا محالًا قالوا: لقد غلبت علينا شقوتنا، فأقروا بأن القَضَاء والقدر سبق عليهم بالشقوة، ثم قالوا أنقض قضاءك. وبدل كلامك وأخرجنا، فخسئوا وأغلقت عليهم أبواب الجحيم فلم يكلموا أبدًا.

وأما باب المعصية فدواؤه الطاعة، فإنه ما من معصيةٍ إلا بحذائها طاعة ولا ذنب إلا بإزائه مغفرة، ولكن الذي يعين على الطاعة بتيسير الله تعالى وتقديره أن النفس أمارةً بالسوء، كما قال الصديق. قال شيخ الصوفية (٤) هي مركب اجتمعت فيها شرار خصَالِ الدواب فهي جرون (٥)، جموح (٦) شموس (٧)، فإذا أردتَ استخدامها فقلل عَلفَها، فإنك إذا أعطيتها قوتها بالعلف قويت عليك، وثقُل حملها بالطاعة والدؤوب فيها فإنك إذا خفّفت


(١) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها حديث (١٣٢ - ١٣٣ - ١٣٤) من رواية أبي هريرة.
(٢) سورة فاطرآية (٣٧).
(٣) سورة المؤمنون آية (١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٨).
(٤) لا أدري من هو شيخ الصوفية الذي يقصده هنا.
(٥) جرن جرونًا تعهد الأمر ومرن والثوب والدرع انسحق ولان والحب طحنه. ترتب القاموس ١/ ٤٨٢، أساس البلاغة ص ٥٧.
(٦) جمع الفرس جماحًا وجموحًا وجماحًا اعتز فارسه وغلبه والمرأة خرجت من بيت زوجها إلى أهلها قبل أن يطلقها. ترتيب القاموس ١/ ٥٢٤ أساس البلاغة ص ٦٣.
(٧) داية شموس وخيل شمُسٌ لا تكاد تستقر. أساس البلاغة ص ٢٤١.

<<  <   >  >>