للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان, لأن الشريعة قسمان: مأمورٌ ومنهيٌّ، والنهي يقتضي ترك الشهوة، ولا يستطاع ذلك إلا بالصبر وإيثار التعب على الراحة، وأما المنهيات أسهل في الكف من المأمورات في الفعلِ عادة، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا به ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه) (١) وهذا يدل على ما اخترناه من أن باب المأمورات يحتاجُ إلى الصبر، ولذلك شرط فيه الاستطاعة وشرط ترك النهي مطلقاً وأما اليد العليا واليد السفلى، فقد تكلمنا عليه في أبواب الزكاة وبينا اختلاف العلماء في أن اليد العليا يد السائل أم يد المعطي، وعند الفقهاء أن اليد العليا هي يد السائل بحجتين في ذلك أن يد السائل نائبة عن يد الله تعالى لأجل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنما تقعُ في كف الرحمن قبل أن تقعَ في كف السائل)، وقوله في الحديث: العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة من قول الراوي وتأويله لا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتنزيله (٢)، قال الفقراء فيدُ المعطي هي العليا صورة ويد السائل هي العليا معنيً، والمعاني هي التي تعتبر ليست الصور والبابُ عظيم القدر، فليُطْلَب في مكانه وله أمثلة (٣) وأما مسألة عمر وحكيم فكان حكيم يرى أن غيره بالعطاء آثر


= والحديث فيه يعقوب بن حميد بن كاسب المزني نزيل مكة وقد نسب لجده صدوق ربما وهم، مات سنة (٢٤١)، التقريب ص ٦٠٧ ت ت ١١/ ٣٢٣، الكاشف ٣/ ٢٩٠.
وقد رمز المناوي في فيض القدير ٥١٣٠ للحديث بالضعف.
(١) حديث متفق عليه أخرجه البخاري في الاعتصام باب الإقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ٩/ ١١٦، ومسلم في الفضائل (١٣٣٧) من حديث أبي هريرة.
(٢) تقدم تحقيق ذلك في الزكاة.
(٣) قال الحافظ: الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور وقيل اليد السفلى الآخدة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قيل يد المتصدق عليه، قال ابن العربي: التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين، قال الحافظ: وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيد الآدميين وأما يد الله تعالى فباعتبار قبوله للصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ ويده العليا على كل حال وأما يد الآدمي فهي أربعة يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا ثانيها يد السائل وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالباً وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما.
ثالثهما يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلاً وهذه توصف بكونها علياً علواً معنوناً.
رابعها يد الآخذ بغير سؤال وهذه قد اختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى. ثم قال: ومحصل ما في الآثار =

<<  <   >  >>